صفحات سوريةفايز ساره

إسلاميو «الربيع»: ملامح في السياسة والممارسة

 

فايز سارة

من المبكر إطلاق أحكام نهائية حول السلوك والممارسة السياسية لإسلاميي الربيع العربي بسبب قصر المدة الزمنية، التي انقضت على حضورهم في عملية التغيير التي تعيشها بلدان مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وضيق الهامش السياسي الذي تتحرك فيها الأحزاب والجماعات الاسلامية في هذه البلدان، فإن من المهم محاولة تلمس المسار العام في السياسة والممارسة الذي تمضي فيه الأحزاب والجماعات الاسلامية في هذه البلدان، والعلاقات التي تنظمها مع الاطراف الاخرى، سواء كانت أطراف خارجية أو في ما يربطها بالنظام الجديد، أو في علاقاتها مع أطراف في المعارضة ولجهة العلاقة مع الجمهور، وهذا قد يساهم في كشف المواقف والسلوكيات السلبية، اذا كان يهم تلك الاحزاب والحركات تقويم مساراتها، وإعادة تصحيح تلك المسارات ليس من أجل مصالحها فحسب، بل من أجل مصلحة الاكثرية الشعبية التي خرجت على طريق الثورة، والتي يقول الاسلاميون انهم كانوا في صفوفها، وهم أكثر الاطراف التي انفتحت أبواب السلطة أمامها في بلدان الربيع العربي، واستطاعت في بلدين هما تونس ومصر الإمساك المباشر بسلطة النظام الجديد.

والنقطة الاولى في علاقات الاسلاميين، هي علاقاتهم الاقليمية والدولية، وفي هذا الإطار يمكن القول ان إسلاميي الربيع العربي، عملوا بتركيز شديد من أجل تحسين مستوى هذه العلاقات عبر إظهار مواقفهم وسلوكياتهم بصفة معتدلة على مستوى العلاقات من جهة، وعلى مستوى الموقف من القضايا، وفي هذا الجانب كانت هناك مؤشرات، منها التوجه نحو تعزيز العلاقات مع الدول المحكومة بتوجهات إسلامية.

والنقطة الثانية، تتبدى في علاقة الاسلاميين بالنظام الجديد على نحو ما ظهر في تجربتهم في كل تونس ومصر، وقد ظهر تعطشهم الشديد للسلطة، وشغفهم بالوصول اليها، والإمساك بها منفردين ان استطاعوا في النموذج المصري، أو بالتعاون مع قوى وأحزاب يمكن ان تتعاون معهم في الحالة التونسية، وهو أمر سبقته تلميحات وتصريحات، تؤكد تعففهم وعدم رغبتهم في الإمساك بالسلطة على نحو ما فعل «الاخوان المسلمون» المصريون الذين لم يخالفوا وعودهم في ذلك فقط، بل سعوا، مثلهم مثل مسلمي «حركة النهضة» التونسية نحو أسلمة النظام الجديد مستغلين حصولهم على أكثرية الاصوات الانتخابية، متناسين أن الثورة كان هدفها كل التونسيين والمصريين وليس أكثريتهم، بمعنى ان النظام الجديد الممثل للثورة، هو نظام لا يقوم على أكثرية المصوتين، وانما على توافقية التونسيين والمصريين وحفظ حقوقهم جميعاً، وليس قيام الاكثرية بفرض رأيها السياسي بالدين على جميع المواطنين، وهو ما ترافق مع محاولات القبض على المفاصل الاساسية في المجتمع التونسي والمصري وخاصة النقابات المهنية والاعلام، وفي الميدان الاخير، خاضت «النهضة» وخاض «الاخوان» معركة إخضاع وسائل الاعلام والاعلاميين في وقت متزامن في كل من تونس ومصر على السواء.

وتشمل النقطة الثالثة علاقة الاسلاميين بغيرهم من جماعات سياسية ومدنية، وقد سعى الاسلاميون الى تهميش وتفتيت قوى أساسية، شاركت في الثورة الشعبية في تونس وفي مصر كما في مثال ما تم بصدد حزب العمال الشيوعي التونسي وحركة «6 اكتوبر» المصرية، وتجاوز الامر ذلك في التعامل مع قوى وحركات المعارضة السياسية والمنظمات الاجتماعية في البلدين، ومثال ذلك موقف زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي الاخير من «الاتحاد التونسي للشغل» وهو أهم تنظيم اجتماعي في تاريخ تونس، حيث اتهمه بالتطرف والعمل على إسقاط الحكومة الشرعية نتيجة مطالبة الاتحاد بتحسين أوضاع العمال وأجورهم، والمثال المصري لا يقل قسوة في هذا وخاصة لجهة إصدار الرئيس محمد مرسي إعلانه الدستوري الاخير لإحكام القبضة الفردية على السلطة متجاوزاً ليس فقط قوى المعارضة السياسية وبعضها كان في قلب الثورة، بل ايضاً نوابه ومستشاريه الذين طالما اعتبرهم عند تعيينهم بمثابة شركاء ومشاركين في السلطة، ما تسبب في الازمة العاصفة التي تضرب البلاد اليوم.

ان من المهم في هذه النقطة، رؤية الممارسات التي اتجه اليها إسلاميو تونس ومصر في التعامل مع خصومهم السياسيين من جهة ومع التحركات الشعبية من جهة اخرى، وهي ممارسات اتسمت بالاتهامات الكاذبة وبالعنف بتنوعه وتعدد مستوياته ومن ذلك هجوم أصوليين على معرض للفن التشكيلي في تونس، وقيام الاخوان المصريين بتنظيم اعتصامات وتسيير تظاهرات موزاية لأنشطة معارضة للحكومة، بل تم القيام بدور قمعي في مواجهة حركات التظاهر والاحتجاج الشعبية والاعتداء المادي عليها، وهذا ما حدث مؤخراً في هجمات على نقابيين في تونس وعلى معتصمين مصريين في محيط قصر الاتحادية بالقاهرة.

باختصار شديد، يمكن القول ان في أفكار وممارسات إسلاميين بلدان الربيع العربي، تناقضات، فهناك «إيجابيات» في المستوى الخارجي، و«سلبيات» على مستوى الداخل. بل هناك في الاخيرة كثير من الاخطاء، التي يفترض انها تنتمي الى ما قبل المرحلة الراهنة سواء كانت في أصول أفكار وممارسات تنظيماتهم، أو انها مستمدة من إرث النظام الذي أسقطته الثورة في تونس ومصر، وفي الحالتين لا بد من أفكار وممارسات جديدة، تنتمي الى العالم الجديد الذي صار اليه البلدان عالم التشاركية والتوافقية الشعبية، التي تمنع أحداً من فرض سيطرته بالغلبة والقوة على بقية المواطنين، وهي بعض من خلاصات ينبغي ان تكون حاضرة أمام إسلاميين آخرين، في بلدان مثل اليمن وسوريا، حيث تجتاز الثورة في كل منهما مرحلة من مراحلها، وقد يكون الاسلاميون من المشاركين في قيادتها في المرحلة المقبلة.

كاتب سياسي ـ سوريا

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى