صفحات سورية

((إصلاحات)) النظام السوري وُلدت ميتة

محي الدين عيسو*
قُبيل انتصار الثورتين المصرية والتونسية، بدأ الشارع السوري يتهيّأ للخروج مطالباً بحقوقه المُستلبة، راغباً بالإصلاح الذي كثيراً ما دعا إليه، والحرية التي طالما حَلمَ بها، وظلّت موضع اشتغال نخبة من المثقفين والسياسيين المعارضين منذ استلام بشار الأسد سدة الحكم عام 2000، بيدَ أنّ النظام الحاكم في دمشق اعتمد على ترسانته العسكرية والأمنية، للردّ على مطالب الناس، لاعتقاده الدائم بأنّ المواطن السوريّ لا يمكن له أن يفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان، نتيجة السياسات المجحفة التي مُورست بحقه من قبل نظام طبيب العيون، وما قبله على مدى أكثر من أربعين عاماً من حكم شموليّ، استبداديّ، تسلّطيّ، قاد ويقود البلاد إلى حافّة الهاوية.
بجردة حساب بسيطة وقراءة سريعة «لإصلاحات» النظام السوري الذي لم يتوقّع أن تتوسّع رقعة المظاهرات المطالبة بإسقاطه لتعمّ خارطة سورية، نلاحظ أنّ هذه «لإصلاحات» قد زادت من عزيمة السوريين، وجعلتهم أكثر إصراراً في المضي قدماً نحو تحقيق أهدافهم، التي تركزت على الحرية والكرامة، ومن ثمّ التحوّل إلى دولة مدنية ديمقراطية تعدّدية.
حاول النظام السوريّ في بداية الأحداث كسب القومية الكردية إلى جانبه، لما للأكراد من وزن على الساحة الجغرافية السورية، وذلك من خلال مَنح جزء من المواطنين الأكراد الجنسية السوريّة التي حُرموا منها لعقود طويلة، من دون أن يقدّم لهم أي تعويضات عن سنوات الحرمان التي عانوها نتيجة التجريد من الجنسية، فكان الردّ الكرديّ أوّلَ الرسائل الرافضة لسياسة المنح والهِبات، عبر رفع شعار «مطلبنا الحرية وليس الجنسية» لإحساس المواطن الكرديّ بأنّه جزء من الوطن السوريّ الذي دخل مرحلة الثورة، وهو في طريقه إلى نيل الحرية، فلم يستطع النظام بهذا «الإصلاح» كسب الشارع الكردي المنتفض منذ اليوم الأوّل من الثورة السورية، أو تحييده كما خطّط.
كما حاول النظام بعد ذلك تلميع صورته عند شرائح سورية مختلفة، بخاصة عند النخبة السياسية والثقافية عبر رفع حالة الطوارئ التي كانت مطبقة منذ استلام البعث للسلطة في سورية عام 1963، إلّا أنّه لم ينجح أيضاً في تحقيق مراده نتيجة القمع الأمني، وازدياد أعداد المعتقلين، وتعذيبهم حتى الموت داخل الأقبية الأمنية، ليحنّ المواطن السوري إلى أيام حالة الطوارئ، بدلاً من الاستفادة من هذا «الإصلاح» ولإدراكه العميق بأنّ العقلية التي أدارت البلاد لقرابة نصف قرن لا يمكن أن تتغيّر بجرّة قلم، أو بمرسوم يصدر نتيجة المظاهرات التي اجتاحت البلاد للمطالبة بالتغيير، وإسقاط النظام الاستبداديّ، كما وأصدر قانوناً لترخيص الأحزاب السياسية في البلاد تحت مظلّة المادة الثامنة من الدستور السوريّ التي تُجيز لحزب البعث «قيادة الدولة والمجتمع»، إلا أنّه لم يتقدّم أي من الأحزاب السياسية المعارضة لطلب الترخيص لرفضها هكذا «إصلاح» لا يحمي الشخصية الاعتبارية للأحزاب العاملة في الساحة السورية، وهي معرضة بأي لحظة للملاحقة والمساءلة الأمنيتين، علاوة على أنّها غير مشاركة في عملية صياغة القانون الذي يشوبه الكثير من إشارات الاستفهام، ونقاط التعجّب، ولم يكن قانون الإعلام أفضل حالاً من قانون الأحزاب، في ظلّ غياب تامّ للحرّيات الإعلامية وحرية إبداء الرأي، واعتقال العديد من الإعلاميين، والصحفيين الذين تضامنوا مع الثورة السورية، فلم يكن هذا القانون سوى حبرٍ على ورق لم يلبِّ طموح وأحلام العاملين في القطّاع الإعلاميّ. ختام ” إصلاحات ” النظام السوري كان تغيير الدستور والإتيان بدستور قومجي جديد على مقاسه لم يلبي طموحات مكونات المجتمع السوري بعربه وكرده وآشوريه .. الخ، ولم يشارك في صياغته أي مستقل أو معارض، فرفضه الشارع المتظاهر المطالب بإسقاط النظام بكامل مكوناته ورموزه.
الإصلاح بالمعنى الفعلي للكلمة يمكن أن يكون ناجحاً وحقيقياً عند الأنظمة غير الشموليّة، وهذا ما لا يمكن تطبيقه على الواقع السوري الذي يعاني الفساد والاستبداد والحكم الشمولي، والإصلاح الحقيقي وفق الواقع السوري يعني انهيار النظام السياسي والأمنيّ إذا ما طبق، وهذا ما يدركه أهل الحكم قبل المواطن العادي.
من المؤكّد أنّ الشارع السوري المتظاهر والمنتفض لأكثر من سنة لن يتراجع خطوة واحدة إلى الخلف، ولن يعود إلى ما قبل خطوط الخامس عشر من آذار، خاصة أنّه قدّم قرابة العشرة آلاف شهيد، وآلاف الجرحى، وعشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين من جهة، وعدم اقتناع المواطن السوري بجدية النظام لحلّ الأزمة سياسياً وفشل جميع «إصلاحاته» على أرض الواقع من جهة أخرى، لذا يحقّ لأي مواطن سوري أن يتساءل عن ماهية تلك «الإصلاحات» التي يتشدّق بها أركان النظام وأبواقه، وعن مدى قدرته على تلبية، ولو جزء يسير من المطالب التي خرج من أجلها المواطن السوري..!!
قصارى القول إنّ «إصلاحات» النظام لم تكن سوى فقاعات إعلامية، تحاول إرضاء الخارج، أكثر من كونها موجّهة إلى المواطن السوري المتعطّش لسوريا الجديدة التي يتعايش فيها كل مكوناته جنبا إلى جنب بعيداً عن التسلط والاستبداد والفرد والواحد.
نقلا عن جريدة ازادي
كاتب وصحافي كردي سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى