زين الشاميصفحات سورية

إطفاء الحريق في سورية مصلحة إقليمية


زين الشامي

ليست التطورات العسكرية الاخيرة التي شهدتها الحدود السورية – التركية هي الاولى من نوعها ولن تكون الاخيرة. ان استمرار الازمة السورية وغياب حل في الافق لهذه الكارثة الانسانية المستمرة منذ نحو تسعة عشر شهرا يجعل من امكانية وصول الحريق السوري الى دول مجاورة امكانية قابلة للتحقق دائما.

قبل تلك الحادثة التي تسببت في مقتل خمسة مواطنين اتراك جراء قصف مدفعي للقوات السورية داخل الاراضي التركية، كانت حوادث امنية عدة خطيرة قد وقعت على جانبي الحدود ولعل ابرزها اسقاط مضادات الطيران السورية لطائرة حربية تركية في شهر يونيو الماضي في مياه البحر المتوسط. هنا لا بد من الاشارة الى ان التطورات الاخيرة أتت بعد أيام قليلة من إعلان «الجيش السوري الحر» المعارض عن نقل قيادته المركزية من تركيا، التي استقر فيها منذ أكثر من عام، إلى «المناطق المحررة» داخل سورية.

الحدود السورية – التركية، اضافة الى حدود سورية مع لبنان والاردن، ربما تكون الحدود الاكثر قابلية للانفجار ولتسرب الازمة وانتقالها الى داخل هذه البلدان الثلاثة، وذلك نظرا لتماس هذه الحدود مع المحافظات السورية المنتفضة ضد نظام الرئيس بشار الاسد وبسبب العوامل الاجتماعية والثقافية التي تربط السكان السوريين مع اقرانهم في تلك البلدان، اضافة الى المواقف المؤيدة لانتفاضة السوريين هنا وهناك سياسيا وشعبيا.

على هذه الخلفية يمكن فهم لماذا كان نصيب هذه البلدان اكبر من غيرها لناحية اختيار اللاجئين السوريين لها ولعل وصول اعداد اللاجئين السوريين في تركيا الى مئة الف يعد اشارة على تلك الروابط والاسباب، في الاردن أيضا تخطى اعداد اللاجئين السوريين التسعين الفا، وفي لبنان ورغم غياب احصائيات دقيقة الا ان بعض التقارير اشارت الى ان عددهم قد تجاوز الثمانين الف لاجئ.

الحوادث والتوترات العسكرية لا تقتصر على تركيا، ولعل الحدود السورية – اللبنانية اكثر الحدود تعرضا لانتهاكات وتعديات القوات السورية بحجة ملاحقة معارضين سوريين او بسبب اتهامات لعناصر لبنانية بدعم الجيش السوري الحر والمقاتلين السوريين بالسلاح.

ورغم ان رد فعل الحكومة اللبنانية اقل عنفا من نظيرتها التركية على موضوع التعديات السورية الا انه يجب الاعتراف ان المقاتلين والمنتفضين السوريين يلقون دعما كبيرا من اشقائهم اللبنانيين ويمدونهم بمساعدات لوجستية بسبب التماس المباشر للحدود وضعف السلطة اللبنانية، وهو الامر الذي يجعل لبنان البلد الاكثر عرضة للتأثر بالحريق السوري.

ليس فقط ضعف السلطة المركزية اللبنانية والجيش اللبناني، بل شدة ارتباط المجتمعين السوري واللبناني اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، ولعل الانقسام الاجتماعي الطائفي والسياسي في لبنان على خلفية ما يحصل في سورية يعكس عمق الترابط بين البلدين مثلما يؤشر لامكانية تدحرج للازمة السورية الى داخل لبنان رغم كل الاصرار الرسمي والحكومي اللبناني على عدم تورط لبنان بما يجري من احداث داخل سورية او ما بات يعرف بسياسة «النأي عن النفس» التي اتبعتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات في سورية.

الاردن ايضا له نصيبه من القلق بسبب ما يجري في سورية وقد شهدت الحدود المشتركة في يوليو الماضي تبادلا لاطلاق النار وقذائف المدفعية بين الجيشين السوري والاردني على خلفية اطلاق الجيش السوري النيران على لاجئين داخل الاراضي الاردنية. واذا ما كانت الوشائج السورية اللبنانية اكبر بكثير خصوصاً على المستوى الشعبي بين البلدين، الا انها لا تخلو من عمق ووشائج مماثلة بين اهالي منطقة حوران واهالي شمال الاردن. هذا يفسر ايضا اختيار نحو تسعين الف لاجئ سوري غالبيتهم من منطقة حوران ومحافظة درعا الاردن كمكان للجوء، طبعا عامل الجغرافي وسهولة الهرب الى الاردن عبر الحدود المشتركة يلعب دورا في ذلك.

كلنا يعرف ان حدود معظم بلدان الشرق الاوسط ما هي الا حدود مصطنعة بكل معنى الكلمة وهي تشكلت بعد نهاية الحرب العالمية الاولى واستكملت لاحقا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد رسمت تلك الحدود بين الدول وفقا لحسابات فرنسية وبريطانية «استعمارية» ولم تكن العوامل الجغرافية الطبيعية او تلك الثقافية والسكانية العامل الذي ساهم في تشكلها مثلما هي العادة في معظم بلدان العالم، او مثل بعض الدول المجاورة كإيران وتركيا او حتى دولة عربية مثل مصر.

احتمالات انتقال الحريق السوري الى تلك البلدان تبدو اليوم، خصوصاً بعد تلك الحوادث والاختلالات الامنية، ممكنة اكثر من أي وقت مضى. ان ذلك يتطلب تعاونا اقليميا جديا من اجل وضع حد للازمة واسقاط نظام الرئيس بشار الاسد الذي بات خطره يتجاوز مجرد قتل الشعب السوري. ان الاستقرار الاقليمي اليوم مرتبط بالسرعة التي تعمل بها تلك البلدان لوضع حد لما يجري في سورية. انها مصلحة داخلية عليا وقضية امن قومي لكل بلد من تلك البلدان.

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى