إعلامي في الميادين مهنته: الشتم والسباب
احمد عمر
كنت متفائلا بخطاب الرئيس الذي يسميه مراقبون ‘بالأخير’ زمنيا لا تيمنا، وهذا يعني حسر بصيرة قلة حصافة عندي، وكان منتهى أملي أن يعد فيه كما وعد زين العرقوبيين بن علي: بالخبز .. الحليب ..الانترنت .. لكنه بشهادة الإبراهيمي -الذي بات ‘خائنا وعميلا’ – خطاب يتراجع عن جنيف واحد (سعره نصف جنيف) وطهران صفر ودمشق .. التي لا تزال لا تحت النار والصفر.
خطاب الفضائيات الزورية مصاب بالزهايمر الإعلامي، وتبدو الأعراض أحيانا ظاهرة في بعض المقابلات العربية والمحلية، كأن يخرج شيخ – بات في ذمة الله – في لقاء تلفزيوني ويلوم المواطنين لأنهم كانوا ‘منافقين’ ويفتون بنعم في صناديق :انتم أيها المواطنون المنافقون الذين فرعتمونا! وكان مروان بن عبد الملك يقول عن الرعية المنافقة: يخدعوننا فننخدع لهم! . وكان دريد لحام يكرر في لقاءت صحيفة وتلفزيونية بعد الإشادة ‘بجرأته’ عن سبب تردي الوطن فيقول بشجاعة منقطعة الند والقد والنظير: المواطن!! هل كان في سوريا طوال هذه الحقبة الجوراسية مواطن؟ نعم لم يكن فيها سوى مواطن أوحد وحيد. ودليل الوحدانية تلك انه هو كان الذي يجرؤ على دخول الغرفة السوداء الانتخابية لينتخب نفسه بشجاعة منقطعة القد والند والنظير.
الإعلامي احمد الحاج علي اعترف في احد البرامج التلفزيونية الدورية أنّ عبد الحليم خدام هو سبب كل الاستبداد السوري، فقد كانت سورية جاهزة للديمقراطية، لكنه هو الذي منع التحول الديمقراطي، ولم أكن اعلم أن خدّام كان الرجل الأوحد المنقطع الند والقد والنظير في سورية!
كان الإعلامي السوري المقيم في الإمارات مروان صواف قد نصح دهاقنة قنوات بلاده ‘الوطنية’ مخلصا أن تكف عن السخرية باللهجة الدارجة من الفضائيات المغرضة لأنها لا تضحك، وكان المذيع الحصيف يظنّ أن هذا هو العيب في الفضائيات الزورية الحالية والسالفة العصر و’الهوان’. ولا ادري إن كان آخر اختراع تلفزيوني سوري -يدعو الي الضحك ام لا، فهو فصيح، ويوحي لنا بأنه زعيم سياسي ، وله معجبون في فرنسا وسائر المشرق. ومعلوماتي انه صحفي بارع في الشتم والسب ويواظب على وصف خصوم الدافعين له بالخنزرة حتى ظننت كل الظن انه كان يعمل في تربية الخنازير قبل ترقيه إلى مذيع في الميادين، التي يديرها أيضا إعلامي مستقيل من الجزيرة ( حواء الاعلاميين الكبار) وهو رجل يتجنب اللهجات ويفصّح العامية ( كأن يلفظ مرض الايدز بالا ي- دز) وله فعل خاص اشتقه من فعل ‘يدك’ هو يدكدك، على وزن يجمجم و يدغدغ .. يقول: انه سيدكدك الجزيرة التي لا تكف عن قصفه بالنابلم الاعلامي! ويخبرنا الرجل من غير أن يدعي الوحي صراحة بأخبار من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله: الغرب، العربان، الخونة، العقول المنوية الخليجية.. القوى الكونية تريد أن تأخذ روحي لكن عزرائيل سيأخذ لهم روح حمد. الرجل يظن أن حمد هو زيوس العالم وان الجزيرة ‘ الخنزيرة ‘طبعا’ لسان الشيطان. تتركه المذيعة يسترسل في الشتائم، لكن الشتائم لا تطرب سوى الخاسرين وهي تكأة العاجز.. لم أكن اعلم أن الشتم مهنة!
يمكن ترتيب الحلقات التي يستضاف فيها الرجل وتصحبيها بأصوات جوقة ضاحكة كما في الكاميرا الخفية ، الرجل بات ضيفا أسبوعيا على إحدى الفضائيات الزورية، وقد وصلت إلى هذه الخلاصة فيه:
الرجل الذي يصف نفسه بالمناضل، وهو ابن أم مناضلة ( ويقول اذهبوا وانظروا إلى رأسها الجريح) وخال مناضل (انظروا إلى ظهره المطعون) بالمناضل وأب مناضل (انظروا إلى يديه).. و يقول انه كاره للاستعمار( غير الإيراني) بالفطرة، ثم ينكر انه يتقاضى أجرا وينفي هذه التهمة (موسيقى سيرك). هذا الرجل جميل العبارة، و له براعات في الإنشاء على سبيل المثال ينعى السويد والغرب ويستذكر خبرا علميا يقول أن سبب الكآبة هو غياب الشمس في السويد ثم يبشرنا بأننا في بلاد الشمس والتفاؤل وشمس العروبة ستسطع ( ربما من فارس)… أخطاؤه اللغوية قليلة لكنها منكرة لا يقع فيها طالب إعدادي ( في الستينات طبعا). بمقارنة بسيطة مع إحدى حلقات الاتجاه المعاكس التي كان ضيفا مناضلا فيها لسبع مرات نستنتج انه ناسك في صومعة الدرهم والدينار حتى يأتيه اليقين.. ولم يسبق لكاتب السطور أن شاهد وسمع وتخيل إعلاميا يشتم دراكا ورشا، عنقوديا وفراغيا، كيماويا وتقليديا، و ما أن تسأله المذيعة السورية عن مالي حتى يشتم حمد او القرضاوي شتائم عنقودية وكيماوية وإذا ما سألته المذيعة التي تتركه على هواه ردحا من الزمن -فالزمن طويل في الفضائيات السورية إلى ..الأبد -وإذا ما سألته عن الجزائر شتم عزمي بشارة (موساد، خائن ..) الرجل يعتقد ويؤمن أنّ صفة المقاومة والمانعة ( من غير دليل) تجبّ ما قبلها وما بعدها، و تكفّر الذنوب جميعا: الدكتاتورية والقتل، والذبح، والاغتصاب، وهو يعتقد أن ثمة أخطاء ترتكبها القوات السورية، ويبشر السوريين : ستكون فدية وتعويضات لكل ضحية! ثم يرسل تحيات مباركة للطلاب الشهداء بجامعة حلب! والرجل محلل سياسي، وشاعر وهو مفكر ( وهي صفته الإعلامية وايزو !) كما انه يتنطح للفتيا الدينية وهو مع ‘الإسلام المحمدي’، أي البعثي . لكنه لا يزال يعتقد أن أفلام الأخبار العالمية ‘فبركات’ وقد تجاوزها صاحبه هيثم سباهي الذي يقرّ بضحايا أمام المخابز لأنها مواقع حرب( والقتل فيها حلال ).
بلاد المعوقين وذوي الاحتياجات العامة
سيزيف في الميثيولوجيا الاغريقية – محارب بارع وماهر يتميز بالمكر والدهاء وهو ابن ايولوس اله الرياح وسيزيف كان ملك سيلينا وقد ارتكب من الأفعال ما اغضب عليه آلهة الأوليمب لذا حكم عليه زيوس بلاحكام العرفية و اجبره على أن يدحرج صخره عملاقه إلى قمة جبل ، وما أن يصل إلي قمته حتى تنحدر منه الصخرة مره أخرى وتسقط إلى أسفل عند سفح الجبل فيعود مره أخرى لدقعها إلى قمة الجبل وهكذا يرسف في هذا العذاب الأبدي .
حضرت مرة معرضا لنحات عربي عنوانه سيزيف، في لوحة يرتدي سيزيف خفين ثقيلين كحجري رحى، وفي لوحة ثانية سيزيف يحاول المشي في ارض إسمنتية تصلبت فيها فيها قدماه، وفي لوحة ثالثة له اطراف فقمة.. أما المواطن السوري الذي رأينا في بيشاور العراقية فيبدو سيزيفا لم يخطر على بال الفنان السابق: فالأرض طينية زلقة، و النعال مثل زحافات الثلج مما علق بها من أوحال، ويحمل فوق ظهره جالونا من النار المجمدة، والوقت ثلج ورياح ومطر، والطابور طويل مثل المقابلات في الفضائيات السورية ، اما اسعد سيزيف سوري فهو الذي معه حمار يحمل عنه الضيم والذل.
‘ كاتب من كوكب الارض
القدس العربي