إعلام انتقائي وموت مستمر
سلام الكواكبي
استطاع النظام السوري، ومنذ بدء المسار الثوري السلمي، وقبل بروز النشاط العسكري في الثورة السورية، أن يمنع التغطية الإعلامية الحِرَفية أو المحايدة أو غير الموجهة. واستفاد بذلك من خيبات الأنظمة التي لم تلجأ إلى ذلك كما في تونس وفي مصر، ودفعت ثمنا غاليا للتغطية الإعلامية الدولية لأحداثها. إضافة إلى استفادته من خبرة ممتدة لعقود مضت في التعتيم الإعلامي ومصادرة الرأي العام والبروباغندا المتطرفة في مآلاتها.
وعبر بعض رجالاته من الأمنيين والممولين، سعى النظام أيضا، مستندا إلى الخوف أو مستعينا بشراء الذمم، إلى تحوير الحقائق من خلال أدوات إعلامية شديدة القصور مما أضحك الموالين قبل المعارضين للأساليب المتبعة وكاريكاتورية المعالجة.
وقامت وسائل إعلامية عربية تابعة لدول قررت أن تعادي النظام لحسابات مختلفة، بالتركيز على جوانب معينة في الثورة وعلى شخصيات محددة فيها مع محاولة تغطية الأحداث بقدر مقبول من المهنية أحيانا، وباستطرادات بعيدة كثيرا عن صلب الحدث وعن أهميته الإنسانية والسياسية والثقافية. فمن نافل القول بأن “الجزيرة” مثلا ركزت على المكوّن الإسلامي في الثورة وقياداتها، حتى قبل أن تتصدر هذه القيادات المشهد. وسلّطت الضوء على مناطق جغرافية، مهمّشة بشكل يدعو للريبة، مناطق أخرى. وقابلتها قناة “العربية”، بتسليط الضوء على المكونات “الليبرالية” في الثورة بعيدا عن أي منطق أيديولوجي يحدد نظريا هوية المحطتين. وفي المطلق، ساهمت الفضائيتان في تغطية فعّالة ونقلت ما تيسّر من مشاهد وأحداث بعيدا عن التوظيفات أو الانتماءات أو الأجندات.
في الوقت ذاته، عمدت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى التركيز قدر المستطاع على ما يجذب قراءها ومتابعيها بعقلية براغماتية شبة مطلقة. فركزت على مشاهد العنف والجثث والجهاديين والأعلام السوداء، والتي، على الرغم من تطور وجودها يوما بعد يوم في ظل الاستعصاء القائم على أرض الحراك المدني والعسكري، فإنها لا تعكس فقط مجريات الحدث السوري. فنرى أنه من النادر أن يتم تسليط الضوء على النشاطات المدنية والإنسانية والإغاثية. وكذلك، تم تهميش عملية التفكير السياسي والإنتاج المعرفي التي رافقت وترافق الحراك الثوري القائم. في حين تميّزت بعض القنوات الثقافية الأوروبية بتغطية معمّقة للأحداث مع إتاحة الوقت اللازم لاستعراض خلفيات الأحداث القائمة. وإن كان هذا نادرا، ونخبويا بعض الشيء، إلا أنه أتاح لمن يرغب من الغربيين في متابعة ذكية أو أقل غباء وتشويقا مما جرت عليه العادة.
مشهد إعلامي متداخل ومعقد دفع إلى التماس الحاجة الملحّة للتغطية الإعلامية “المستقلة” نسبيا أو التي تنبع من احتياجات المعنيين بالشأن السوري مباشرة. مما أدى إلى تطوير وسائل إعلامية بديلة تعكس نشاط الصحافي/المواطن. فانتشرت الصحف السرية أو المنشورة إلكترونيا، وكذلك الإذاعات “الحرة” عبر شبكات الإنترنت في انتظار البث عبر الموجات القصيرة في حال توافر الإمكانات. وبدا بأن الصحافي/المواطن القادم من بعيد والذي لم يمارس العمل الإعلامي إلا بسبب النقص والحاجة الملحة، أكثر وعيا لحساسية أدائه وخطورة رسالته ممن كان يعتبر نفسه في الأمر عليما.
في المقابل، يقتصر تأثير هذا النوع من الإعلام البديل على الساحة المحلية فعليا أو افتراضيا، ويمكنه أحيانا أن يتجاوزها في اتجاه المغتربين من السوريين.
يستمر موت السوريين، وتنتقي وسائل الإعلام ما يناسبها مشكورة، ويستمر العجز عن نقل الحقيقة.
النهار