إلى إخوتنا في الدوحة: نصيحة وأمل ورجاء
مروان المهايني
ليست صعبة ملاحظة المخاض الصعب الذي تشهده العاصمة القطرية وتعانيه الأطراف السورية المعنية بالشأن الوطني وبالوضع المأساوي للوطن السوري، كما وليس مستغرباً أن هذا المخاض قد جاء صعباً على هذا النحو من الشدة ومن التشرذم والاصطفاف والتنابذ والتناحر والتزاحم، لأن السوريين أصلاً، وعلى وجه العموم، لم يمارسوا الديموقراطية ولم يعايشوا أجواءها ومناخاتها إلا سنوات قليلة جداً، وعلى نحو غير سليم وغير مستقيم وغير شفاف في أحيان كثيرة.
لقد نالت سوريا استقلالها في العام 1946، ومارست الديموقراطية بحياة برلمانية وحزبية لثلاثة أعوام فقط، وجاء الزعيم حسني الزعيم كأول ديكتاتور، وأعقبه نظراؤه من الحكام العسكريين ـ الحناوي والشيشكلي وحكموا البلاد حتى العام 1955. لتعود البلاد بعد ذلك إلى الديموقراطية البرلمانية حزبية صاخبة وفي مواجهة تحديات كبيرة خارجية وداخلية جعلت كل السوريين، أحزاباً وشخصيات وجهات وتكتلات، يلجأون إلى جمال عبد الناصر منتحلين صفات الوحدوية والقومية والتقدمية والاشتراكية، وقبل مضي نحو أقل من ثلاث سنوات ضاق عبد الناصر بهم وعافوا نظامه وانقضوا على الوحدة السورية ـ المصرية وبلعوا كل ما قالوه توقاً إليها وإيماناً بها، وعادوا إلى الديموقراطية البرلمانية الحزبية نحو ثلاث سنوات. ثم انقضّت عليها «ثورة الثامن من آذار» في العام 1963 مبعدة البلاد والعباد عن الديموقرايطية والحزبية والبرلمانية الحقة، أي لنصف قرن ونيف من الزمن.
ومن هذا المنطلق، ولضحالة التجربة السورية الديموقراطية وانعدام خبرة السوريين في التحاور، الذي منعوا عنه والتشاور الذي حرموا منه كل تلك السنين، صارت تجربتهم الحالية مريرة وفائقة التعقيد، خصوصاً أنهم يخوضونها خارج بلادهم التي أحالها الاقتتال الإجرامي الأرعن واللامسؤول وغير المبرر خراباً ودماراً، منكوبة بشراً وحجراً.
ومن دون أي انتقاص من مكانة وأي مس بنزاهة أو مقصد، فإنني لا أرى حاجة لدى الحراك الحاصل لبلورة تمثيل صحيح وإقامة صيغة سلمية وحقيقية ومعبرة عن تطلعات السوريين إبان أزمتهم الدامية المفجعة الراهنة، لا أرى حاجة تذكير لأخوتنا المغتربين وإسهامهم الذي تبرعوا به لإنقاذ الوطن السوري، فليعودوا إلى ما كانوا فيه وحيث كانوا، وأخص بالذكر من هؤلاء الأخوة من طالت غربته وطال تنائيه عن الوطن من معرفته بأحوال هذا الوطن وأهله وما عاشوه وعانوه.
وأغلب ظني ان ابتعاد هؤلاء الأخوة المغتربين عن المخاض الراهن سيجعل الولادة في الدوحة أقل صعوبة، خصوصاً إذا ما تولى العملية أكثر المشاركين أهلية وخبرة وجدارة، من أمثال رياض سيف وهيثم المالح وميشيل كيلو وجورج صبرا والسيد البيانوني، وغيرهم من السوريين الذين عارضوا حقاً وصدقاً وتصدوا بشجاعة وقاوموا بصبر وعانوا بلا منة ولا تفاخر.
ولا بد من مشاركة الأخوة الذين انشقوا عن النظام «وتابوا» عن خطيئة العمل فيه والانضمام اليه، ثم سعوا للانعتاق منه وتخليص البلاد من ويلاته.
إن إكثرية السوريين الساحقة منكوبة حزينة مهجرة في الداخل وفي الخارج، معلقة على مساعي الساعين لخلاص سوريا، وأولى خطواتها بلورة صيغة للإنقاذ ونهج للخلاص وبرنامج لما بعد النكبة وحلول الحل المفقود وولادة الفرج المأمول.
ولا ضرورة للتذكير بأن ولادة المرتجى من الدوحة ستكون أفصل وأيسر كلما قلَّ عدد المولدين والممرضين والزوار ومنتظري البشارة…
ودعونا نأمل أن تأتي الصيغة المأمولة على نحو يشرع الأبواب واسعة والنوافذ كلها، أمام قيام سوريا حرة سيدة ديموقرايطية يحكمها العدل والمساواة وينتظم أهلها صفاً وطنياً واحداً لا تخترقه فتنة مهما تعددت الأحزاب وتنوعت المذاهب والمشارب والعقائد.
السفير