صفحات الناس

إلى متى ستنجح «النصرة» بكسب الوقت في أدلب؟/ وائل عصام

 

 

آخر مناورات «تحرير الشام» في أدلب كانت تشكيل حكومة وطنية، تشرف على القطاعات المدنية وتندمج ضمنها القوة العسكرية التابعه للجهاديين، ولو شكليا، تطور يرى المراقبون أنه خطوة جديدة من الجولاني، لكسب أكبر قدر ممكن من القطاعات الثورية لجانبه، خصوصا تلك التي تملك علاقات جيدة مع الاتراك، علها تسهم، ولو إلى حد ما، في إعادة إنتاج صورة جديدة عن أدلب بعيدة عن أدبيات القاعدة التي حكمتها لسنوات.

والهدف الأهم من ذلك ليس الصورة بحد ذاتها، بل تجنيب أدلب هجوما بات وشيكا من النظام وروسيا، خصوصا مع وصول معارك ريف دير الزور لمراحلها النهائية، وتفرغ عدد كبير من الوحدات العسكرية لهذه المعركة، التي لن تكون سهلة .

النظام بدأ بالفعل شن هجمات على المناطق التي تسيطر عليها «النصرة» في أرياف حماة وأدلب، لكنها ما زالت هجمات محدودة، بلا زخم كبير، ومن الواضح أن مطار ابو الظهور سيكون هدفا محتملا في هذه المرحلة.

ومع كثرة السيناريوهات التي طرحت حول أدلب، سواء تلك المتعلقة، بالخطط التركية للهجوم على المدينة برفقة الروس، أو غيرها من سيناريوهات تحدثت عن انسحاب النصرة وتسليم أدلب لفصائل موالية لتركيا، لتجنب هجوم من قبل النظام، تبين أن كل هذه الطروحات، التي تداولها الإعلام وكأنها أمر واقع، تبين أنها مجرد تكهنات، بل هي تكهنات لا تستند إلى قراءة سليمة للتطورات الميدانية والسياسية، فالاتراك دخلوا بالفعل إلى أدلب، لكن برفقة وحماية «النصرة» وليس ضمن عمل عسكري بالاشتراك مع الروس. وكما تبين، فإن هدفهم، في المرحلة الحالية على الأقل، يتمحور حول بناء حزام امني عازل حول عفرين الكردية وريفها، كما أن الدخول التركي كان فنيا، أكثر منه سيطرة على الأراضي، كما في مناطق درع الفرات، فالأراضي ما زالت تحت هيمنة النصرة وحلفائها.

أما الحديث عن الفائدة بتسليم أدلب للأتراك لحمايتها من هجوم النظام، فهو حديث ينطوي على الكثير من التجاهل لموازين القوى في سوريا، ويقفز فوق الوقائع الماثلة، فلقد تبين أن الأتراك أنفسهم ليس من أولوياتهم دخول أدلب، بقدر ما كان يتصور بعض الناشطين، الذين تحدثوا بغزارة قبل أشهر عن وجوب إنقاذ أدلب بتسليمها للأتراك، وكما يكررون الآن الحديث نفسه عن عندان في ريف حلب الشمالي، فالتحركات التركية داخل سوريا، كانت منذ درع الفرات، وما زالت، محكومة بموافقة صريحة، من أهم حلفاء وداعمي النظام السوري، روسيا، وتطور الأمر لتصبح هذه التحركات جزءا من الترتيبات والتفاهمات في أستانة، برعاية إيران وروسيا، وهي تفاهمات تراعي دائما مصالح النظام، أو لا تتعارض معها على الأقل، وما هي إلا مكمل سياسي لما ينجزه النظام والروس وإيران عسكريا، الهدف الأساسي منها، تأهيل ممثلين طيعين عن المعارضة للتحدث باسم ثورة لا يمثلون أيا من قواها على الأرض.

ما حصل في الدخول التركي حول عفرين، أنه لم يكن دخولا في أراض تابعة للنظام السوري، وهو في الوقت نفسه حقق مصلحة مشتركة لإيران والنظام وبالطبع لتركيا بالدرجة الأولى، بمنع تمدد الجيب الكردي في عفرين شمال سوريا ، وإن نجح الأتراك هذه المرة بتجنيب الدول معركة لا تمثل هاجسا في أولويات أمنهم القومي، المنصب على التهديد الكردي، كما حصل في معركة درع الفرات، فإن «النصرة» أيضا استفادت، من هذا الدخول المحدود، بفرض نفسها كرقم صعب في مناطق المعارضة، يضع تركيا أمام حقيقة اضطرارها للتفاهم معها، دون الفصائل المدعومة تركيا، التي اشترطت «النصرة» عدم إدخالها، ويريح «النصرة» من تهديد الأكراد، ليخفف عنهم عبء جبهة شمالية. وكما أعلنت تركيا، أكثر من مرة، أنها لن تستهدف الجيش النظامي، وأنها ترحب بسيطرته على الأراضي السورية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالاكراد شمال سوريا، فإن المتأملين بتواجد تركي يحمي مناطق المعارضة من سيطرة النظام، لم يقرأوا جيدا التوازنات في مرحلة ما بعد أستانة، فالمظلة التي اتفق عليها الجميع، واصداؤها العملية ما زالت تظهر يوما بعد يوم، وهي أن النظام يجب أن يستعيد السيطرة على كل أراضيه، عدا مناطق الحكم الذاتي الكردية، ولذلك فإن مناطق درع الفرات ستشهد على الأغلب، انسحابا تركيا خلال العام المقبل، لصالح القوات الحكومية التي بات يراها الأتراك، كما قوات حكومة حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، أقل ضررا عليهم من القوى الكردية المسلحة.

وعندما يكمل النظام معظم المعارك الكبرى وتحين معركة أدلب، لن تسعف «النصرة» حينها، أي محاولات جديدة، للظهور بوجه معتدل أو مدني، وسيكون على الجهاديين مواصلة الاستماع لبعض الناشطين، الذين لن يتوقفوا عن ربط خسارة مناطق المعارضة بتواجد الجهاديين، رغم أن معظم المدن والأرياف الكبرى في دمشق وحمص وحلب ودرعا، دمرها واستعادها النظام، بوجود فصائل الجيش الحر فيها، فكل من يخرج على سلطة النظام هو إرهابي بتعريف سلطة دمشق. ولهذا، فإن التعويل على أي دور تركي، أو بناء حكومة ثانية، أو ثالثة في أدلب، لا يشكل أي معطى جوهري في التوازنات القائمة، ولعل الكثير من عناصر «تحرير الشام»، يدركون ذلك، ويقولون في أحاديثهم الجانبية، إن بناء الخنادق على الجبهة، هو الشي الوحيد الذي يضيف لقوتهم، أما بناء حكومات وغيرها فليس سوى حملة علاقات عامة لن تضيف الكثير.

القدس العربي»

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى