إلى متى يبقى الحوار في سوريا ؟
ناجي العكيلي
تعيش البلاد حالة من الحراك السياسي لم تشهده سورية منذ عقود طويلة. بسبب هيمنة الحزب الواحد على مقدرات البلاد. وتهميش دور كل القوى السياسية على الساحة السورية، حتى أقرب حلفاء النظام في الجبهة الوطنية التقدمية. وكل ذلك أدى إلى تراكم جبل من الأخطاء والممارسات، في جميع المجالات الديمقراطية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وفي العمل بالمنظمات الجماهيرية وبخاصة النقابات العمالية والفلاحية التي اعتمدت النقابية السياسية لعقود بديلاً من النضال المطلبي، واحتكار العمل بين الطلاب والشباب لصالح حزب واحد.
وإذا كانت أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ومنها حزبنا الشيوعي السوري (الموحد) قد قبلت بالصيغة الجبهوية. إلا أننا كنا ننطلق من مصلحة وطنية هي الحفاظ على استقلال البلاد وسيادتها وصمودها بوجه جميع الضغوط التي كانت تتعرض لها. ولكن ما هي نتائج كل هذا الذي جرى خلال كل تلك الحقبة من تاريخ بلادنا؟
إن أهم النتائج المستلخصة هي إبعاد المجتمع عن السياسة وعن الأحزاب، وأصبح العمل السياسي يخلق مشاكل عويصة لكل من يفكر بممارسته، أبرزها الضغوط الأمنية والملاحقات والاعتقال الكيفي من دون أية محاكمات أمام القضاء المدني. كما أن الشريحة الأهم في المجتمع، وهي الشباب، ساد لديها شعور اللامبالاة بالعمل السياسي، وثبت في هذه الأحداث التي شهدتها البلاد منذ أواسط آذار 2011 الفشل الذريع لعمل الحزب الواحد بين أوساط الشباب، تجلت معالمه في الحراك الواسع للشباب والتأثير عليهم من قوى ظلامية وتكفيرية ومتطرفة، وانخراط أعداد لا بأس بها منهم في الأعمال المسلحة ضد الجيش والقوات المسلحة والقوى الأمنية.
كما أن السياسات الاقتصادية الليبرالية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، وبخاصة الحكومة السابقة وفريقها الاقتصادي، كان من نتيجتها إهمال القطاع العام وتركه يواجه مصيره، وفتح البلاد على مصراعيها أمام الاستثمار في المجال الخدمي والريع العقاري، وخطط خمسية تعتمد أرقاماً خلبية للنمو ليس لها أي أثر على حياة المواطن، وتفشي البطالة وزيادة معدلات الفقر وازدياد الأغنياء غنىً والفقراء فقراً، مما عقد الحياة المعيشية للمواطنين وبخاصة ذوي الدخل المحدود.
وكان حزبنا الشيوعي السوري (الموحد) قد نبه منذ سنوات إلى أن القوى الغربية والولايات المتحدة أعداء النظام بشكل عام، إذا أرادوا النيل من سورية، بسبب سياستها الوطنية والممانعة ودعمها لقوى المقاومة، فهم سيأخذونها من الداخل، لأن السياسات الداخلية كانت تؤجج الأحقاد يوماً بعد يوم، وتدفع بالمواطنين إلى الانفجار في أي لحظة.
إن الحراك الذي تعيشه البلاد اليوم أعاد السياسة إلى المجتمع، والمجتمع اليوم كله يشارك في العمل السياسي بأشكال مختلفة، فمنه من يعمل للحفاظ على وحدة البلاد وضد التدخل الأجنبي و نبذ الطائفية، ونقل سورية إلى الحياة الديمقراطية. ومنه من يعمل عكس ذلك تماماً و يطالب بالتدخل الأجنبي لتحقيق أجندات مرتبطة بقوى الإمبريالية الأمريكية ودول الاستعمار القديم والرجعية العربية.
هذا الحراك السياسي أدى إلى قبول الرأي الآخر ولو جاء متأخراً. وإلى قيام حوار وطني على مستوى البلاد بين مختلف القوى السياسية وبخاصة القوى الوطنية والتقدمية. فعقدت الحوارات في كل المحافظات والمدن والنواحي. ومع القوى السياسية المعارضة للنظام. وقد تبلورت في هذه الحوارات الأفكار والمطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجرى توصيف كامل للأزمة التي تمر بها البلاد والحلول المقترحة للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، والحفاظ على استقلال الوطن ووحدته وقطع الطريق على الذين يتربصون بنا ويكيدون المكائد التي تهدد ليس النظام السياسي فقط بل الدولة السورية برمتها.
لقد أدلى كل من شارك في الحوارات من أطياف المجتمع كافة برأيه، والمطلوب اليوم أن لا ندور في حلقة مفرغة من الحوارات، لأن الشارع يقول إن هذه الحوارات هي حوار الطرشان. ولكي لا يكون ذلك بات مطلوباً العمل على تنفيذ ما طرح في هذه الحوارات من اقتراحات وتوصيات.
علينا أن نعترف أن القضية الجوهرية في كل هذه الحوارات وفي الأزمة التي تمر بها البلاد هي قضية سياسية بالدرجة الأولى. تتلخص في الطبيعة السياسية لنظام الحكم من حزب واحد. هذه الصفة التي لم تخدم البلاد. وما كان قبل 15 آذار 2011 لا يمكن الاستمرار به ما بعد آذار 2011.
إن الحوار هو الحل الأمثل والوحيد لإنقاذ البلاد، بعيداً عن أعمال القتل والتخريب التي تمارسها العصابات المسلحة. وبعيداً جداً عن الحلول الأمنية التي ما زالت تثير استياء المواطنين. فلم يعد مقبولاً استمرار نزيف الدم السوري ووقوع الضحايا كل يوم. يجب قطع الطريق على أعداء البلاد الذين يتآمرون من الخارج وفي الداخل والذين يضمرون الشر لهذا الوطن.
إننا على قناعة بأن الإسراع في تلبية مطالب الجماهير والانتقال السلمي إلى مجتمع مدني ديمقراطي تحكمه صناديق الاقتراع هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة. وقطع الطريق على كل المحاولات التي تريد النيل من سورية أرضاً وشعباً.
بقلم: ناجي العكيلي