صفحات العالم

إلى مرحلة ما بعد المراقبين


عبد الوهاب بدرخان

هل أفقد النظام السوري نفسه ورقة استخدام الساحة اللبنانية في أزمته، تحديداً بسبب هذه الحكومة التي أرادها ونصّبها في لبنان، وبالتالي لم يعد في مصلحته، ولا في مصلحة حليفه الوصيف “حزب الله”، أن يخرب أمن البلد من أجل توجيه “رسائل” الى من يهمه الأمر في واشنطن وغيرها من العواصم الكبرى؟ لا شيء مؤكداً.

سؤال يمكن ان يطرح في عمق الجدل حول إقحام لبنان في موضوع تنظيم “القاعدة” او على هامشه، خصوصاً بعد تفجيرات دمشق التي ترك النظام السوري الاشتباه بها مركزاً على “القاعدة”، في حين ان “حزب الله” انفرد في المرتين باتهام “أم الارهاب” الولايات المتحدة. ورغم حرص مختلف العواصم على ادانة التفجيرات بسبب طابعها الارهابي، وكأنها خارج سياق العنف الدائر في سوريا، إلا أن المراجع الأمنية والسياسية احتفظت بتحليلاتها ربما للإفصاح عنها لاحقاً، ومنها ما يفيد بأن لبننة الحديث عن “القاعدة” ساعدت على الايحاء أن ثمة “طرفاً ثالثاً” وراء هذه الجرائم المرجح تكرارها.

هذا لا يعني، بعد، ان الساحة اللبنانية تجاوزت الخطر من تداعيات الأزمة السورية، بل انه لا يزال أمامها، وبالأخص مع اتجاه الصراع بين النظام والانتفاضة نحو مزيد من المواجهات القتالية، الى جانب التظاهرات السلمية فعلاً. والانطباع السائد حالياً ان نهاية هذا الشهر ستكون موعداً مفصلياً يقرر مصير المبادرة العربية، فقد لا تتأمن لها الظروف الملائمة لتمديد مهمّة المراقبين، اذا وجدت ضرورة لذلك. فلا النظام يستطيع أن “يلتزم” أكثر وأن “يتعاون” بأفضل مما فعل حتى الآن، وحتى لو جدد تعهده، لأنه يجازف بفقد السيطرة. ولا الانتفاضة ستواصل التعامل بالاندفاع نفسه مع المراقبين، بعدما خيّب التقرير الأول أملها بمهمتهم وأعادها الى الاصرار على المطالبة بالحماية الدولية.

ورغم أن التدويل ليس متاحاً الآن، وقد لا يكون متاحاً بعد اسابيع، إلا أن احتمال فشل الدور العربي سينذر بتصعيد العنف. ولعل اللهجة التي استخدمها الرئيس السوري، في خطابه أمس، حيال العرب، مؤشر الى انه لا يعوّل على الجامعة ومبادرتها التي تطمح الى تنظيم حوار بين النظام والمعارضة. وبالتالي فإن دمشق ستتمسك بـ”خطة الاصلاح” التي تحظى بمباركة روسية وايرانية وتقوم على “حوار” النظام مع نفسه ومع “المعارضات” التي انشأها لخدمته.

لم يختلف اثنان على ان الرئيس السوري فشل في طمأنة مؤيدي النظام، لكنه اعطى دفعاً جديداً للانتفاضة. ومن كان يتوقع أن يسمع منه مبادرة مسؤولة تمهد للحوار وجده يعود الى ذهنية خطابه الأول البائس. وهو بذلك يتحدّى التدويل ويستدعيه في آن. لا شك في أنه أعلن بداية مرحلة تصعيد جديد، هي مرحلة ما بعد المراقبين العرب. أما ترجمة ذلك لبنانياً فيمكن ان تتجاوز “التواطؤ” مع النظام الى التورط معه في مغامراته الأخيرة لإخماد الانتفاضة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى