إنسانية قاتلة/ نص ورسم: مرتضى كزار
كانت وظيفته في المحلّة تحرير الضفادع المشنوقة على أسلاك الكهرباء وفك قيود القطط المحبوسة في أكياس الجنفاص وغسل الكلاب الصغيرة التي يعذبها الأطفال بالزيت والنفط، مع مهمات سرّية أخرى تتعلق بالعاشقات من بنات البيوت المغرَّر بهن.
وفيما يتعلق بالحيادية، فصاحبنا معتوق، الملقَّب بعيوة، لا يقف في المنتصف بين الجميع، معتوق لا يقف أصلاً لأنه كسيح، انفجر به لغم في السيبة حينما كان يعمل جامعاً للشظايا النحاسية، يستخرجها بعد أن ينبش الجدران والثقوب ويخلصها من الشوائب والأملاح ويبيعها في سوق العتيق.
معتوق لم يقرأ شيئًا لبوذا ولا لسقراط أو كونفوشيوس، لقد ورث قلبه الرؤوم من جدة سمراء هي واحدة من رعايا السلاطين النجيبات. فلسفياً، وبلسان قارئ بطران يرتدي لباساً حبيشياً وفانيلة داخلية ماركة معمل الأبرار للألبسة الجاهزة: تندرج إنسانية عيوة المفرطة ضمن إنسانيات العبيد!
في دائرة الطب العدلي، حينما طلب الموظف من ذوي معتوق اسم الآلة الثقيلة التي سقطت على معتوق وقتلته وهو يؤدي دوريته في شركة روسية، قالوا له أن اسمها كمنوتارني بالروسية. ولأن الموظف المستجد كان نزيهاً وملتزماً ونظيف اليد ويحب أن يتحذلق، لم يتعب نفسه في ترجمة الكلمة ليدّون في تقريره ما يقابلها بالعربية، حتى حينما عرف بأنها تعني “إنسانية”، لم يرجع لهم ليتأكد من اللفظ ويضبطه، فكتب في قلب التقرير: لقد سقطت على المرحوم إنسانيته وهشمت أضلاعه.
بيني وبينكم والحق يقال: كان مزهواً أمام مديره باستعمال الفعل “هَشَّمتْ” وضبطه بالحركات أكثر من تبلد وجهه أمام سؤال المدير: وكيف تكون الإنسانية قاتلة؟
* رسّام وسينمائي من العراق