صفحات العالم

إنقاذ سوريا… عربي فقط


رضوان السيد

ذهب العرب بكلّ سبيلٍ للوصول إلى حلٍّ في الأزمة السورية، وكان خصوم النظام السوري وأصدقاؤه يواجهونهم بأنهم لا يريدون التدخل أو التدخل العسكري في الشأن السوري! ورغم كلّ ما يمكن قوله عن تركيا؛ فقد كانت الوحيدة التي أتاحت ملاذاً آمناً للنازحين السورين، وللمعارضة السياسية. وبينما كان خصوم النظام السوري وأصدقاؤه ينأَون بأنفسهم حتى لا يلوّثوا أيديهم، كان الروس مستمرين في دعم النظام الذي يقتل شعبه، بينما كان الإيرانيون وأنصارهم بالعراق ولبنان يقدمون السلاح والرجال والأموال!

وأدرك العرب أخيراً أنه ما حكَّ جلدك مثل ظفرك، وإذا أردْتَ أن يساعدك الآخرون، فينبغي أن تُظهر إرادةً لمساعدة نفسك، وهكذا اجتمعوا قبل شهرٍ ونيفٍ واتخذوا قرارات بالعقوبات، وقدموا مقترح المراقبين لوقف العنف تمهيداً لبدء العملية الساسية. وبالطبع ما توقف العنف، وجرى الانقسام حول بعثة المراقبين، حيث انسحب منها الخليجيون؛ بيد أنّ العرب ما استطاعوا أن ينفضوا أيديهم من سوريا أي تركها وترك شعبها تحت نقمة عنف النظام، وعنف محور “المقاومة والممانعة” المزعومتين. لذلك كان المُضيُّ إلى الجانب السياسي رغم عدم تحقق شيء في الجانب الأمني. وهكذا كانت المبادرة السياسية ببنودها كافّة، والتي تقول بتسليم الأسد صلاحياته لنائبه الأول (فاروق الشرع)، ثم يقوم الشرع بالتفاوض مع المعارضة لإقامة حكومةٍ توافقيةٍ، تتسلّم إدارة الشأن العام، وتُجري انتخابات لمجلس تأسيسي يتولّى كتابة الدستور، ثم تجري انتخاباتٌ رئاسيةٌ في آخِر عام 2012. وهذه الخطة هي خليطٌ من الحلَّين اليمني والتونسي، وتعني أنّ الذين سيغادرون السلطة هم الأسد وحاشيته القريبة، أمّا المكوِّنات الباقية، ومن ضمنها حزب “البعث”، والطائفة العلوية وسائر الأقليات؛ فإنها جميعاً مدعوَّة للتعاون والمشاركة. وستتوقف أجهزة الأمن عن القمع بالطبع، لكنّ الجيش السوريَّ باقٍ مبدئياً على تركيبته ليتطور وضعُهُ بالتدريج، فيعود مجدداً لمهامِّه الوطنية والقومية؛ وذلك كلّه زيادة في الأمان والتأمين، وهدوء المسار وتدرجيته!

لقد بادر الجانب السوري إلى رفض الخطة التفاوضية العربية، ولو كانت هناك بقيةٌ من عقلٍ أو وطنية لما حدث ذلك. إنما ماذا يمكن أن ينتظر العربُ من نظامٍ يقول وزير خارجيته إنّ “الشعب” السوري يفضّل الحلَّ الأمني، أي إخماد الثورة بالقوة، بحجة أنها لا تحتوي إلاّ على مندسّين وإرهابيين! إنّ العقل يقول إنّ الأسد ونظامه ذاهبان، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، إنما يمكن لهذا الرئيس وذاك النظام أن يسهما في حلٍّ سلميٍّ تفاوضيٍ تُصان به الدولة والجيش، ويرجع فيه القرار إلى “الأكثرية الصامتة”. ذلك أنّ 25 بالمئة من السوريين هم ضدّ الأسد وثائرون عليه، وربما كان أنصاره لا يقلّون نسبةً وعدداً أيضاً. أما أكثرية الشعب السوري، والتي فضّلت الاستقرار والعودة للحياة الطبيعية؛ فإنها وقعت بين هذين الطرفين المتصارعين، وعبر الحلّ التفاوضي والانتخابات يعود لها القرار وتستطيع أن تختار مساراً يكون المعارضون والموالون قد أسهموا فيه. وهكذا فإنّ القرار العربي الذي قادت السعودية صناعته، قد أفضى إلى نقلةٍ كبرى ما عاد تجاوُزُها ممكناً، لا من جانب النظام ولا من جانب أنصاره. ذلك أنّ البديل ليس هول التدويل والتدخل العسكري الخارجي، بل استمرار الأجهزة والجيش في القمع واستمرار التظاهرات مع زيادة الانشقاقات في الجيش، وزيادة السلاح في أيدي الثائرين، ليسقط النظام أخيراً بعد أن تكون البلاد قد تشقّقت، والخراب قد نال من الجميع، وعندها سندخل في الأفكار الاجتثاثية التي سادت العراق وأفضت إلى ظروف الانقسام المستمرة!

لقد انصبّ جهد النظام السوري في الشهور العشرة الماضية، على جمع أنصارٍ له بالخارج، ومحاولة خَلْق ظروف لفتنة بالداخل تنفّر العرب وغيرهم من التدخل في الشأن السوري، وتنشر اليأس من إمكان سقوطه. وأول الخارجيين الذين أراد مستشارو الأسد العباقرة اختبار ردة فعلهم كان الإسرائيليين، والذين ردوا بالقتل وإطلاق النار على الشباب العُزَّل الذين أرسلهم النظام و”حزب الله” من سوريا ولبنان باتجاه الأراضي المحتلة! وحتى الآن ما يزال للنظام السوري أنصار أقوياء في صفوف اليمين الإسرائيلي، باعتباره يؤمِّنُ الحدود، ولا يطلب شيئاً في مقابل ذلك، ويقسّم الفلسطينيين ويضعِفُهُم في مواجهة إسرائيل. وما انتظر الإيرانيون حتى يطلب منهم النظام السوري المساعدة، بل سارعوا إلى إعلان المحور: طهران- بغداد- دمشق- بيروت، وتدفقوا عسكراً وأموالاً وسلاحاً لمساعدة نظام الممانعة، والباقي من العرب العاربة! بيد أنّ بوتين تصور أنّ الأزمتين السورية والإيرانية يمكن أن تمثّلا تجارةً رابحةً له، وهكذا أعلن -عبر وزير الخارجية لافروف- أن الروس لن يقبلوا بإيصال الملف السوري إلى مجلس الأمن، كما لن يقبلوا بتشديد العقوبات على إيران من أجل ملفّها النووي. وشعر النظام السوري بقوةٍ لبعض الوقت نتيجة الموقف الروسي لثلاثة أسباب: إنّ العرب لن يستطيعوا الإجماع، وإن أجمعوا فإنَّ ذلك سيبقى بدون فعالية ما داموا لا يستطيعون تصديق قرارهم في مجلس الأمن كما فعلوا في اليمن، وأنه كان من الخير له أنّ للروس قاعدةً بحريةً بطرطوس، وبالتالي فسيشعرون بالخسارة إن زال النظام فزالت القاعدة، كما أنه كان من الخير له هذا الارتباط الوثيق بإيران، لأنّ الملفّ رغم صعوبته سيصل في الأرجح إلى تسوية، ويمكن أن تشمل التسوية سوريا أيضاً. وهذا فضلاً عن أنّ إيران طلبت من المالكي والأطراف الأُخرى المتحالفة معها، مساعدة النظام السوري بالمال والرجال! وهكذا شاع طوال الشهور الماضية أنّ هناك مؤامرةً على سوريا من أجل التدويل، والتدويل يعني التدخل العسكري الخارجي مثلما حصل في ليبيا. لكن ذلك لم يكن غير وهمٍ من الأَوهام، فالأطلسيون بعد تجربتهم في ليبيا لا يريدون التدخل العسكري، ويعتقدون مثل العرب أنّ الضغط بالعقوبات، وبالإدانات في المجال الإنساني، وبالمناطق الآمنة… كافٍ لإسقاط النظام، وإن طال الأمد بعض الشيء! ولا شكَّ أنّ هذا الإدراك المتأخّر من جانب النظام من جهة، والإجماع العربي على العقوبات ثم على المراقبين بخلاف ما قدَّر السوريون، دفع الأخيرين للدخول في عمليةٍ احتياليةٍ لن تخسّرهم شيئاً، بل يمكن من خلالها اجتذاب بعض الدول العربية إلى اللاموقف على الأقلّ، مثل الجزائر والسودان… ومصر. وهكذا فقد وافقوا على المراقبين، وأضاعوا حتى الآن شهراً قتلوا خلاله ألفاً من المواطنين، وازدادت العسكرة وازداد الخراب. لذا كان الخيار أمام وزراء خارجية الجامعة إمّا سحْب المراقبين وإدانة النظام السوري وسحب اليد عن الأزمة السورية، أو استمرار العمل في دعم التوجه السلمي للثورة السورية من خلال نصح النظام بالدخول في المسار التفاوُضي، بحيث يشارك الشعب السوري كله في التغيير. والمعروف أنّ ذلك إنْ لم يحدثْ فلن يكون البديل التدخل العسكري الخارجي لأنه غير مُتاحٍ، بغضّ النظر عن جدواه؛ بل سيزداد العنف من جانب النظام، ويزداد التعسكر في الداخل، ويسقط النظام تحت وطأة الجثث والأكفان كما حصل في إيران خلال الشهور الأخيرة قبل هرب الشاه!

لا عمل للنظام السوري إلاّ التأمُّل بحدوث المجابهة الإيرانية الأميركية، والعربية الإسرائيلية، والشيعية السنية، ولن يحصل شيء من ذلك، وإنْ حصل فليس لأنّ نظام الأسد صَدْعٌ زالزالي؛ بل لأنّه لا يمكنه تصوُّر نفسه خارج السلطة، ولو كان في ذلك خراب الوطن والكوارث التي تحلُّ بالمواطنين السوريين وبالجوار. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى