صفحات العالم

إنهاء الحرب السورية المزمنة/ ميشال دوكلو

 

 

منذ 2011، تكر في سورية فصول حرب أودت بحياة مئات آلاف الأشخاص وأدت الى نزوح ملايين اللاجئين. وسرعان ما انزلق هذا النزاع من حرب أهلية الى حرب إقليمية الأبعاد تتواجه فيه القوى الشرق الأوسطية. والحرب السورية تندرج كذلك في سياق تباين بين الشرق والغرب فاقمه التدخل العسكري الروسي في 2015. وقلب الخطر الجهادي في الأراضي السورية- ممثلاً بـ «جبهة النصرة» (الفرع السوري من «القاعدة») و «داعش»- المعادلة السياسية في البلاد رأساً على عقب، وقلص احتمالات رحيل بشار الأسد. وتمس الحاجة الى تشخيص اسباب النزاع وتطوره في الأعوام الأخيرة والتغيرات الجغرافية – السياسية الأخيرة، قبل صوغ استراتيجية فرنسية وأوروبية فعالة في مقاربته.

وأفلح نظام بشار الأسد في ترجيح كفة تفسيره للنزاع: حرب تدور بين نظام «شرعي» وبين خطر اسلامي، «جهادي»، يدعمه الخارج. وأعظم خسائر المعارضة هي خسارتها في «حرب السرديات» هذه. ولكن سردية النظام تتداعى مع تعاظم ارتباطه بالميليشيات السورية والأجنبية وسده ثغرات خلفها تذرر المعارضة الوطنية. وغلبة الطابع المذهبي على النزاع نجمت عن التدخلات الخارجية أكثر مما هي وثيقة الصلة بالتنوع السكاني في سورية (72 في المئة من العرب السنّة، 10 في المئة من العلويين، والجماعات الأخرى). وأدى تدخل «حزب الله» وإيران في مطلع 2013 الى تدفق اموال دول عربية على مجموعات الثوار الإسلاميين. ورجحت كفة «داعش» و «جبهة النصرة» في ميدان المعارك. وغلبة الطابع المذهبي على النزاع فاقمها تردد الغرب، وأميركا على وجه التحديد، في اللجوء الى القوة المسلحة. وحين احجم المعسكر الغربي عن التدخل تدخلاً حاسماً، ساهم في تعزيز استراتيجية النظام الرامية الى القضاء على المعارضة. وفي غياب دعم يعتد به، تذررت حركة الثوار الوطنية، والتحق شطر منها بصفوف «الجهاديين». وعلى المستوى الديبلوماسي، ساهم الدعم الروسي في مفاقمة التصلب السوري. وعلى خلاف الدعم الروسي، تآكل الدعم الغربي للمعارضة مع مرور الأعوام.

ومنذ بدء النزاع، توسل النظام بعنف مفرط منفلت من كل عقال؛ وانتهج تكتيكاً يرمي الى ضخ الإرهاب الإسلامي في وسط الثوار؛ واتكأ على دعم إيران وروسيا و «حزب الله». وفي الأعوام الأخيرة، لم يعد يرتجى اصلاح من الرئيس السوري الذي تستتبعه طهران. وفي مثل هذه الظروف، يتعذر ارساء استقرار من دون رحيل بشار الأسد وأبرز شركائه. فالنظام السوري يرى ان لا غنى له عن الحرب في سبيل البقاء. والحاجة الى اطاحة رأس النظام تمس لتقويض حاضنته الأمنية والمافيوية. وإطاحته هي في آن ضرورية وعسيرة. ولكنها متعذرة من غير ضغط خارجي.

وسقوط حلب في كانون الأول (ديسمبر) 2016 والضربات الأميركية في السادس من نيسان (ابريل) المنصرم، هما منعطفان بارزان في تاريخ النزاع. وإثر سقوط حلب، ووهن الثورة الوطنية والتحول الإستراتيجي التركي (واليوم تتصدر اولويات أنقرة احتواء القوات الكردية وليس بدء عملية انتقال سياسي في دمشق)، وسع موسكو اقتراح وقف اطلاق نار برعاية روسية – تركية – ايرانية، يرسي حلاً سياسياً ينقذ نظام الأسد. وفي مطلع 2017، بدا ان «سلاماً روسياً» هو خاتمة النزاع على الأغلب. ولكن هذا المشروع اصطدم بمقاومة النظام الذي رأى ان مثل هذا السلام يحول دون بسطه النفوذ على كامل الأراضي السورية، واصطدم كذلك بمقاومة إيران التي تتمسك بالأسد. وفي وقت اول، أوحت حملة المرشح دونالد ترامب وتصريحاته إثر بلوغه الرئاسة بأن واشنطن تقبل ببقاء بشار الأسد. ولكن إدارة ترامب عدلت عن مواقف ترامب المرشح، ورفعت وتيرة السعي الى اسقاط داعش في الرقة، ووجهت ضربة الى قوات النظام السوري في نيسان 2017 وإعلان اميركا التدخل العسكري في سورية يشرع الأبواب امام استئناف الحوار الروسي – الأميركي، واحتمال توجيه موسكو وواشنطن دفة النزاع.

ولا شك في ان تدخل ايران الضخم في سورية هو عقبة بارزة تحول دون «سلام روسي» أو «حل روسي – أميركي». وإجماع الأميركيين وحلفائهم الإقليميين على حل في سورية هو رهن انسحاب الميليشيات الإيرانية التمويل والولاء. ولا ترتجى فائدة من تحرير الرقة إذا عاد النظام ليمسك بإدارة المدينة ووادي الفرات. وإذا سلمت الرقة الى النظام، بدا ان التدخل الأميركي في الرقة يصب في مصلحة الإيرانيين. وحينها، تتعاظم أخطار تقسيم البلاد، وتتناسل الحرب وينفخ فيها انحراف دمشق الأمني؛ والإرهاب الإسلامي وتجمّع «جبهة النصرة» في محافظة إدلب؛ والتغيرات السكانية التي تمضي على قدم وساق وترجح كفة الشيعة في بعض المناطق. ووتيرة العنف، ولو تدنت، تؤجج الاضطراب، وتفاقم أزمة النزوح والهجرة. والاضطراب شأن العنف تربة غنية للإرهاب.

ويبدو ان فرصة الخروج من الأزمة سانحة. والفرصة هذه وثيقة الصلة بعدد من العوامل، منها رغبة موسكو في اتفاق سياسي؛ وعودة واشنطن عن الانسحاب من الشرق الأوسط؛ وتطور المعادلة الإقليمية وتغيرها وترجيح التزام دول عربية الإستراتيجية الأميركية الجديدة؛ ونهاية داعش الوشيكة. وتدعو دروس السنوات الست الماضية الغربيين الى التزام القوة (على خلاف سياسة باراك اوباما) وإدارجها في سياق استراتيجية سياسية.

والسبيل الى حل النزاع في سورية ممكن من طريق 1) السيطرة على الرقة ووادي الفرات؛ و2) انشاء قوة من الثوار العرب السنّة ترسي الاستقرار في هذه المنطقة، و3) التمسك في المفاوضات بوقف اطلاق النار؛ و4) حماية الائتلاف الدولي لمكافحة داعش المدنيين؛ و5) الحوار الإستراتيجي مع روسيا.

* ديبلوماسي، محلل، سفير فرنسا السابق في دمشق، عن موقع «أنستيتو مونتاين» الفرنسي، 6/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى