صفحات الثقافة

إنها تمطر/ فرناندو بيسوا

 

 

 

كلُّ قطرة مطرٍ تنزلُ هي حياتي الفاشلة الّتي تبكي في الطّبيعةِ. في كلِّ قطرةٍ بعدَ قطرةٍ، أو دلوٍ بعدَ دلوٍ، هناك شيءٌ من الضّجرِ حيالَ حزنِ الحياةِ الّذي ينهمرُ على الأرضِ دونَ جدوى.

إنّها تمطرُ، إنّها تمطرُ. روحي مكتئبةٌ من سماعِ المطرِ. مطرٌ كثيفٌ… لحمي ترطّبَ من إحساسي الجسديّ بهذا المطر.

يحملُ زكامٌ مؤلمٌ قلبي الضّعيف في يديه المتجمّدتين. السّاعاتُ الرّماديةُ تطولُ، وتتبدّدُ في الزّمن. واللّحظاتُ تجرُّ بعضها. إنّه مطرٌ كثيفٌ!

المزاريبُ تتقيّأ سيولًا صغيرةً من المياهِ المفاجئةِ. صوتُ انهمارِ المطرِ المقلقِ يثيرُ وعيي إلى وجودِ أنابيبَ تصريفِ المياه. يخفقُ المطرُ بتنهّدٍ وفتورٍ على اللّوحاتِ الزّجاجيّةِ.

تعصرُ يدٌ باردةٌ حنجرتي وتمنعني من تنفّسِ الحياة. كلُّ شيءٍ يموتُ فيّ، حتّى إدراكي أنّني قادرٌ على الحلم. لا أستطيعُ أن أرتاحَ جسدياً، حتّى أنّ الأشياءَ اللّينةَ الّتي أتكئُ عليها تطعنُ روحي بحوافِها الحادّة. وكلُّ العيونُ الّتي أنظرُ إليها هي عيونٌ استمدت دكنتها الرّهيبةَ من ضوءِ هذا النّهارِ الخفيف. عيونٌ تدعو للموتِ دونَ ألم.

* شاعر وكاتب برتغالي 1888- 1935 والمقطع من عمله “كتاب الضّجر”. ** ترجمة: سارة الأخرس

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى