إنهم يقتلون شعب المقاومة
ميشيل كيلو
باسم المقاومة، يقتل حزب الله شعباً لم تسقط راية المقاومة يوماً من يده منذ بدايات القرن الماضي، قبل ولادة الحزب وقادته بعشرات كثيرة من السنين، وستبقى مرفوعة فوق هامته بعد أن يختفي الحزب وقادته من الوجود، في زمن لن يكون بعيداً.
باسم مقاومة تنضوي في خطط إيران، تتحكم بمداها وأبعادها وقواها اوضاع متغيرة بتغير مآرب طهران، التي كثيرا ما تكون محكومة بظروف وعلاقات تراعي مواقف وحسابات “العدو” الأميركي/الصهيوني، اكثر بمرات كثيرة التأكيد من التزامها بنضال العرب في سبيل التحرر من الاحتلال الخارجي، وبالحرية في مواجهة الاستبداد الداخلي، دخل حزب الله إلى سوريا والسيف في يده، وانقض على شعب القصير الأعزل، فارتكب فظاعات لا يقدم على ارتكابها من يعتقد أن أساس المقاومة وجذرها اما أن يكونا كامنين في الشعب، في المواطنين الأحرار، أو أنه لا تكون هناك مقاومة اصلاً، ويكون الحديث عنها ضربا من الدجل والكذب الرخيص، يخدم “العدو” وحده. فماذا يمكن القول إذا كان الحزب وجّه صواريخه ومدافعه إلى أساس أية مقاومة عربية مشرقية وجذرها: شعب سوريا، الذي لم يترك همسة حرية في عالم العرب إلا وساندها، وواكب مسار التحرر ونضالاته باعتبارهما شأنه الخاص، وشارك بالأفعال والأقوال في جميع محطاته، واعتبر فلسطين معركته، وحرية الجزائر والعراق واليمن والسودان وموريتانا حريته، ونزل إلى الشوارع ضد الأحلاف والمحاور العسكرية الاجنبية، وأبدى في جميع المناسبات تضامنه ومساندته لكل من كان محتاجا إليهما، وتفاعل مع سائر أحداث العالمين العربي والأجنبي، وأظهر أعظم الاهتمام حتى بالثانوية منها، وأرسل أبناءه للقتال في كل مكان لمع فيه بريق الحرية وارتفعت راياتها، وأخيراً لا آخراً فتح أبوابه من دون منّة امام أشياع حزب الله اللبنانيين، وفتح بيوته أمام مليون ونصف المليون عراقي لم يدخل واحد منهم إلى مخيم، بل حلّوا في بيوت الناس، وحصلوا على حق العمل، والتجارة، ولم يبعد أي منهم عن سوريا.
قد يتوهم الحزب أن “البعث” كان وراء هذه المواقف. هل كان “البعث” في السطة العام 1956، إبان حرب السويس، عندما نسف عمال سوريا خط “التابلاين” وقرر جيشها خوض الحرب إلى جانب مصر، حتى بعد طلب عبد الناصر عدم توريطه في القتال؟ هل هناك حاجة الى الحديث عن فلسطين، موضوع الدجل التجاري الرخيص المحبب إلى قلب قادة حزب الله؟ كان “البعث” تحت التأسيس حين ذهب السوريون إلى القتال في فلسطين، وليس “البعثط هو الذي أسس “جيش الإنقاذ”، ولم يكن موجودا عندما فتح السوريون بيوتهم أمام اخوتهم الفلسطينيين. وإذا كان حزب الله قد نسي فإنني أذكره بأن سورياً من مدينة جبلة، هو الشيخ عز الدين القسام، قاد ثورة العام 1936 في فلسطين، حيث استشهد ودفن، فمن علّمه المقاومة، إن كان “البعث” هو الذي علّمنا إياها؟ الحقيقة أن الشعب السوري مقاوم بينما خان نظامه المقاومة ولم يقاوم عدواً سواه.
ماذا يفعل حزب الله اليوم؟ إنه يغزو شعب المقاومة التاريخية كي يجبره على الرضوخ لنظام سلم الجولان، ولم يطلق منذ اربعين عاما رصاصة واحدة على إسرائيل، وأطلق ملايين الصواريخ والقنابل والقذائف والحواضن الكيماوية على مواطنيه، بمجرد أن طالبوا بحقهم في الحرية! يفعل الحزب هذا باسم مقاومة لم يعد يمارسها منذ سبعة أعوام، ويرد برصاصه القاتل جميل شعب كان يضع صور نصر الله في بيوته وعلى سياراته، لاعتقاده بأنه وحزبه يختلفان عن النظام، وها هو يغسل هذا الوهم بدمائه، ويرى في الحزب جزءاً تكوينياً من نظامه الخائن، لا بد أن يمر درب حريته بإسقاطهما معاً.
هذه هي المعادلة التي ستقضي على الحزب. إنه يقف اليوم في الطرف المعادي لشعب يقاتل من أجل حريته، يشرب بتصميم وعزيمة بحر النظام ولن يغص – بكل تأكيد – بساقية نصر الله الذي قال مبرراً غزو بلادنا: “من حق حزب الله أن يوجد حيث يقرر أن يوجد “. يزعم حزب الله بأن له الحق في أن يوجد على أرض سوريا وأن يقاتل شعبها، لمجرد أنه قرر ذلك.
يقول شكسبير في إحدى مسرحياته: بعضهم يذهب لجزّ الصوف، لكنه يعودون وقد جزّ وبره!
المدن