إنهيار سدّ الفرات تتويج للكوارث/ مروان أبو خالد
يقع سد الفرات في مدينة الطبقة على بعد 50 كيلومتراً من محافظة الرقة. ويعد أكبر السدود المائية في سورية بحجم يبلغ 90 مليار متر مكعب، بطول 4.5 كيلومترات، وبارتفاع يتجاوز 60 متراً، ويحجز خلفه بحيرة ضخمة تختزن ما يقارب 14 مليار متر مكعب من المياه. وقد تعرض السد الفرات منذ تدشينه العام 1973 إلى كارثتين مترابطتين عضوياً. كارثة فشل السياسات الاقتصادية التي اعتمدها النظام والقائمة على آليات الهدر والفساد الحكومي، والتي أفرغت المحتوى التنموي الذي كان من الممكن تحقيقه من وراء السد، وصولاً إلى الكارثة الحالية المتمثلة بمخاطر الحرب العبثية التي بدأها النظام وتفاقم النزاع المسلح الذي يهدد بدمار السد.
فمنذ سيطرت قوات المعارضة على سد الفرات في شباط الماضي، شهد محيط السد عمليات عسكرية عديدة، ولم يتوانَ النظام عن استخدام صواريخ الطيران وإلقاء البراميل المتفجرة قرب السد حيث أحدث إحدها حفرة بقطر 40 سنتيمتراً. كما استخدم صواريخ سكود التي تؤدي حسب بعض الخبراء الى خلخلة التربة في مساحة قطرها 2 كيلومتر مربع حول مكان سقوط الصاروخ. الأمر الذي يهدد بشكل حقيقي وجود السد، خصوصاً أنه سد ردمي (أي سد مكون من الصخور والأتربة).
وفي الوقت الذي نفت فيه حكومة النظام الأنباء عن قصفها محيط السد، معتبرة ذلك دعاية تهدف الى تغطية أي عمل تخريبي قد يحصل في السد، أعلنت هيئة التنسيق المعارضة في 11 أيلول المنصرم، بأنها تمتلك معلومات عن تحضير جبهة النصرة وداعش لتفجير سدي الفرات والبعث، الأمر الذي نفته الجهتان المذكورتان. وبين الأخذ والرد وتبادل الاتهامات، فإن ثلث مساحة سورية، وحياة أكثر من 3 ملايين سوري مهددة بالخطر المميت في حال وقوع الكارثة.
بحسب بيان أعده ناشطون بعنوان “نداء استغاثة لأجل سد الفرات”، فإن أبرز الكوارث المترتبة على انهيار السد تتمثل في: غرق مدينة الرقة بالكامل بارتفاع قدره 16 متراً، وغرق مدينتي البوكمال ودير الزور بارتفاع قدره 4 أمتار، وامتداد الغرق داخل الأراضي العراقية وصولاً الى مدينة الرمادي. هذا فضلاً عن القضاء على الثروة النفطية السورية، إذ ان 80% من إنتاج هذه الثروة يتركز في تلك المناطق، ناهيك عن دمار الزراعة والبنى التحتية والقضاء على الثروة الحيوانية بالكامل، وانتشار الأوبئة والأمراض، وغيرها من الآثار الخطيرة التي ستمتد لعقود مقبلة.
وبموازاة هذه التهديدات بتدميره، فإن مأساة سد الفرات تمتد لتشمل عقوداً من السياسات الاقتصادية الفاشلة المتراكمة والتي أدت الى نتائج كارثية على مستوى معيشة سكان الجزيرة السورية. فسوء سياسات التخطيط الزراعي والري وحجز السد للطمي الخصب، قد أدت لتملّح التربة وإفقار الأراضي الزراعية، نظراً لامتداد موجات التصحّر، ما أدى الى تضرر أكثر من مليون سوري، وتهجير مئات القرى في الرقة تحديداً. علماً أن 40% من المياه في الرقة تذهب هدراً بسبب سوء شبكات الري وعدم اهتمام المعنين بإجراء صيانة لها، حسب أرقام العام 2012.
يضاف إلى ذلك أن مساهمة سد الفرات في إنتاج الكهرباء قد تراجعت كثيراً، نظراً لسوء المعدات والتجهيزات والتي تعتبر من أقدم المعدات المستخدمة في العالم اليوم. فمن أصل 8 عنفات لتوليد الكهرباء في السد هناك عنفتان فقط قيد العمل، حيث ينتج السدّ نحو 1943 مليون كيلوواط ، ولا يزيد إنتاج السد مع المحطات الكهرومائية الأخرى عن 7-8% من حاجة سورية للكهرباء، على الرغم من أنها مجتمعة قادرة نظرياً في حال تم تحقيق الاستغلال الأمثل لها على إنتاج قرابة ربع حاجة سورية من الكهرباء.
كما لم تقم الحكومة بجهد يذكر في استغلال سد الفرات لامتصاص معدلات البطالة العالية في الرقة التي تحتل المرتبة الرابعة في معدلات البطالة على مستوى المحافظات السورية. فكثيراً ما شكا أهالي الرقة من استقدام عمالة من خارج المحافظة للعمل في السد ومنشآته، على الرغم من توافر القوة العاملة في المحافظة. كذلك الأمر فالحكومة لم تقم بمشاريع تستغل فيها ميزات المنطقة السياحية التي كان من الممكن تحويلها، مع توافر الآثار ووجود مياه السد، إلى أكثر المناطق جذباً للسياح في سورية. كما أن صفحات الجرائد والدراسات المعنية تزخر بملفات الفساد الحكومي المتراكمة من نهب لمستلزمات الاصلاح وبيعها بشكل غير شرعي وعقود المناقصات المشبوهة، وبقاء أعداد كبيرة من الفلاحين الذين صودرت أراضيهم دون تعويضات على الرغم من مرور عقود على بناء السد.
والحال ان الكارثة المتوقعة من إمكان انهيار سد الفرات، قد لا تقل خطورة بالمعنى الاقتصادي والتنموي عن حجم الكارثة المتزايدة في ظل استمرار سياسات الفساد والهدر، والتي حولت منطقة الفرات الخضراء، إلى صحراء قاحلة تهدد استمرار الحياة وتنبئ بمستقبل كارثي بشكل مؤكد.