إنه السقوط المؤلم
غازي دحمان *
لم تكن ثمة مظاهر مهمة تشير إلى قدرة المعارضة على إنجاز مهمة بحجم تلك التي أعلنت التصدي لها: «بركان دمشق وزلزال سورية». فلا التحضيرات اللوجيستية ولا نوعية التسليح أو حتى المستوى البشري، كعناصر مرئية وواضحة للعيان، كانت مطمئنة بالنسبة للجمهـــــور الذي يـــــراقب الحالة الميدانية. لم يكن في هذا الواقع سوى كثير من الحماسة عند مقاتلي الميدان وأمان لا تنضب لدى الجماهير الحاضنة للثورة.
كان واضحاً وواقعاً أن بعض الفصائل المسلحة دفعت بالمراتب العليا لهياكل المعارضة المسلحة إلى تبني قرار بالهجوم، لم تكن تجهيزاته العملانية اكتملت، والدليل على ذلك إعلان قيادة الجيش الحر أن هذا العمل العسكري لا يشكل «ساعة الصفر» التي لم يزل الإعداد جارياً لها، ولم يكن ذلك من قبيل التكتيك بخاصة أن مهام سابقة كانت لم تحقق الهدف المرجو منها، ما دفع بالمعارضة المسلحة إلى عدم المجازفة برفع سقف التوقعات.
غير أن الدماء التي نزفت من جسد النظام إثر تفجير هيكله الأمني واضطراره إلى الكشف عنها، زادت من شراسة العملية وقوتها، كما عملت على تزحيم حركة الثورة وإعطائها دوافع قوية للتقدم.
ذلك أن الثورة وللمرة الأولى أحست بقدرتها على الإنجاز المباشر عبر اختراقها قلب النظام الأمني وإخراج أهم شرايينه من ساحة الفاعلية والتأثير، وهو الدور الذي طالما مارسته قوى النظام بإخراج مناوئيها من ساحة الفعل، زمن القتل الرخيص، عبر قتلهم أو إخفائهم وتغييبهم.
لم يكن ذلك الأمر، على أهميته، وحده المسؤول عن احتدام صورة المشهد السوري، ذلك أن الثوار اكتشفوا فجأة هشاشة قوة النظام وتراجعها إلى الحد الذي لم يستطع استعادة أحياء صغيرة في دمشق أعلنت تحديها المباشر له، وزاد من يقينهم هذا واقعة احتكاكهم مع عناصر جيش النظام وأمنه واكتشافهم ذلك المقدار الهائل من عدم الخبرة والضعف القتالي الذي ينطوي عليه واقع هذه البنى.
لقد كشفت هذه الواقعة عن أمرين خطيرين، الأول أن النظام ضيع وقتاً طويلاً وبذل جهداً مضنياً، في الضرب بالفراغ، بمعنى أن كثرة عمليات القتل والاعتقال التي كان يطمئن لجدواها كانت تطاول النطاق الهامشي للحراك، ولم تصل للقلب الذي كان يتطور بأريحية. ذلك أن هذا النمط من الحراك لديه القدرة على تكوين ردائف وبدائل حركية من شأنها تضليل الخصم وتركيز جهوده في أمكنة أخرى.
والثاني أن الثورة من جهتها ضيعت بدورها الوقت والجهد والكثير من الطاقات واضـــطرت للسير عبر طرق التفافية قبل أن تصل إلى إدراك حقيقة أن نوعاً كهذا من الأنظمة المتصلبة لا يمكن ضمان سقوطه وزواله سوى ياستخدام العنف المباشر ضده، وأن المعركة الأساسية كان يجب أن تنتقل إلى القلب ولا تقيم في الهوامش طويلاً، لأن الهوامش فقيرة وغــــير مؤثرة في الأنظمة ذات الطابع الاستغلالي والاستعلائي، والذي لا يرى فيها أكثر من عبء اقتصادي، وفي الوضع الإيجابي خزاناً لتوريد العسس والخدم.
هل يعني ذلك أننا نعيش مرحلة السقوط النهائي لنظام سقط قبل هذا الموعد بكثير أخلاقياً ووطنياً، وحتى عسكرياً، ربما؟ المؤكد أن هذا السقوط سيجر معه سورية بأكملها إلى أنواع وأشكال ومستويات متعددة من السقوط وذلك بما يشبه استحقاقاً لا بد من دفعه على كل من انتـــفع بجنسية سورية الأسد.
* كاتب فلسطيني