إيران تخطط لمرحلة ما بعد الأسد!
هدى الحسيني
هل إن قلب إيران خامنئي هو على الشعب السوري، أم أن قلبها على خططها وطموحاتها في المنطقة؟ هي الآن، على لسان وزير خارجيتها علي أكبر صالحي، تدعو الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى الاستجابة للمطالب المشروعة لشعبه، وتحذر الحلف الأطلسي من الغرق في مستنقع لا مخرج له منه.
دعوة صالحي تؤكد أنه حتى إيران، الحليف الأخير المتبقي للنظام السوري، غير مصدقة كل ما يردده النظام عن إقدامه على إجراء إصلاحات داخلية يحتاج تفعيلها إلى ستة أشهر. والتحذير سببه أن إيران لا تريد أن تتورط في حرب خارج حدودها. فماذا لو فعلت وقامت الثورة الشعبية داخلها، وهذه متوقعة آجلا أم عاجلا؟
في الأسابيع الماضية، كانت التكهنات تدور حول المدة الزمنية التي سيستمر فيها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، متمسكا بتحالفه مع الرئيس السوري، بشار الأسد. ولأسابيع خلت، كان الإيرانيون ينتقدون السياسيين الأتراك الذين كانوا يتصرفون «وكأن سوريا الأسد على حافة الانهيار». وقالت القيادة الإيرانية إذا كان عليها أن تختار بين سوريا وتركيا، فإنها من دون تردد تختار سوريا. وظهرت مقالات بهذا المعنى، خصوصا في منشورات الحرس الثوري الإيراني.
تسلسل المواقف الإيرانية هذا، يكشف أن الإيرانيين كانوا يخططون لتغيير محتمل في سوريا، تماما مثل الأتراك. فهؤلاء بدأوا بدعوة الأسد إلى الإقدام على إصلاحات مطلوبة من الشعب الذي لم يكن يطالب بأكثر من حقوقه المشروعة في ظل نظام الأسد الابن، ثم تدرجوا إلى استقبال مجموعات من المعارضة، وأيضا لاجئين سوريين، ووصلوا مع الرئيس عبد الله غل إلى القول إن الإصلاحات لم تعد تكفي، بمعنى آخر، إن على النظام أن يرحل.
وإيران الآن تستعد لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا.
معلومات مؤكدة واردة من طهران تشير إلى أنه على الرغم من الدعم العسكري والاقتصادي الواسع الذي توفره إيران لسوريا في محاولة لإنقاذ النظام من الانهيار، فإن إيران تعد الترتيبات لـ«اليوم ما بعد الأسد». وتحقيقا لهذه الغاية، فإن إيران تجري عملية مسح للعناصر البديلة التي يمكن أن تصل إلى السلطة في سوريا، وتدرس كل الخيارات في كيفية المحافظة على التأثير والنفوذ الإيرانيين في سوريا وفي المنطقة لتعزيز مصالح الجمهورية الإسلامية.
وقد انكب مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى على دراسة النواحي الرئيسية التي تثير قلق إيران في ما يتعلق بالأزمة السورية خلال الأشهر الأخيرة، والصعوبات المتوقع أن تواجهها إيران إذا ما انهار نظام الأسد، وتوصل مجلس الأمن القومي الإيراني إلى وضع عدة توصيات عمل، وافق على معظمها المرشد الأعلى، خامنئي. وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، قدمها إلى خامنئي عشية بدء شهر رمضان المبارك.
شدد جليلي على أن توصيات مجلسه ترى أنه إذا وصل حكم عائلة الأسد بعد 41 سنة إلى نهاية مفاجئة، فإن ذلك سيسبب فراغا في السلطة يشد دولا أخرى، خصوصا تركيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول الغربية، إلى محاولة ملئه، مثلما تحاول أن تفعل في جميع دول المنطقة. وأوضح جليلي لخامنئي، أن المجتمعين في دائرته يرون أن «المتدخلين من الخارج سيحاولون استغلال القيادة الجديدة في سوريا، وتحويلها بعيدا عن الجمهورية الإسلامية، خصوصا أن هذه الدول كانت ولسنوات عديدة ترعى العناصر المناهضة للأسد داخل وخارج سوريا». وحذر مجلس الأمن القومي الإيراني، من أن انهيار نظام الأسد قد يخلق صعوبات لوجيستية جديدة وشديدة لإيران، والمخاوف ذات شقين.
أولا: أن الطريق الحاسم للإمدادات العسكرية والتمويل لحزب الله في لبنان وللفلسطينيين، وبالذات حماس، سيجري إغلاقه.
ثانيا: أن قاعدة الدعم الأساسية من مساعدات مباشرة تصل إلى مجموعات المقاومة، أي سوريا، ستجف.
وحسب مجموعة جليلي، فإن هذين السيناريوهين واردان، إما «بسبب الفوضى الكاملة التي ستعم سوريا بعد الأسد، أو إذا أظهرت الحكومة الجديدة ترددا في التعاون أو المشاركة في المقاومة الإقليمية ضد أعداء الإسلام».
في وجه كل هذه المخاوف، رأت توصيات مجلس الأمن القومي الإيراني أنه يتعين على إيران أن تكون مستعدة لوضع سوري يسقط فيه نظام الأسد، وأن تدرس أيضا، في ظل أي احتمالات يجب أن تسحب دعمها للأسد شخصيا، من أجل الحد من تهديد المصالح الإيرانية.
ولأن الأكثر أهمية من دعم الأسد، هو أن تستمر إيران وحزب الله في «تعزيز الحرية والتحرير للمسلمين»، ومقاومة كل تدخل خارجي في الشؤون المحلية.
من الواضح، أن إيران تفكر في أفضل السبل للمضي قدما في المقترحات التي أعدها مجلس الأمن القومي، وكانت جرت مناقشة رفيعة المستوى حول هذه المقترحات في مكتب خامنئي بوجود جليلي نفسه، ورئيس الأركان العامة اللواء حسن فيروز آباد، ووزير الاستخبارات حيدر مصلحي، وقائد قوات القدس قاسم سليماني، والعديد من كبار المستشارين في السياسة الخارجية.
وتم الاتفاق على أن أي قيادة سورية جديدة، يجب أن تلتزم المقاومة. وتم تكليف الاستخبارات الإيرانية لتوسيع اتصالاتها، وإجراء اتصالات سرية مع القادة السوريين الجدد (المحتملين) من خارج نخبة الأسد، والمساعدة على تقويتهم. وبموازاة ذلك، أُوعز إلى سليماني، لاتخاذ إجراءات يمكن اعتمادها لـ«القضاء على عناصر المعارضة التي لا يمكن الوثوق بها»، وهذا يشمل السوريين البارزين المطالبين بقيم أكثر ليبرالية وديمقراطية، ويمكن أن يعترف بهم الغرب، وأيضا أولئك المستعدين للتوصل إلى حل وسط أو تسوية مع «الصهاينة لاستعادة هضبة الجولان».
وقال سليماني في الاجتماع، إنه على المستوى التكتيكي «سنتبنى الطرق التي اعتمدت بنجاح في العراق ويجري استعمالها الآن في مصر وليبيا». (لم يشر سليماني في الاجتماع إلى تفاصيل تلك الطرق).
وفي حين كانت دمشق، ولفترة طويلة، تُعتبر من أهم استثمارات إيران، خصوصا في «المقاومة» ضد الأعداء المشتركين، يبدو أن القادة الإيرانيين صاروا يرون نظام الأسد مسؤولية على عاتقهم، مع استمرار الأزمة داخل سوريا.
في إشارته إلى طبيعة العلاقات الاستراتيجية والبراغماتية بين سوريا وإيران على مر السنوات، قال مصلحي، وزير الاستخبارات، الذي هو أيضا رجل دين (ليس في مرتبة آية الله): «إن الأسد – الأب والابن – لم يكن أبدا شريكا مثاليا لإيران». هذا يعكس انتقادا ضمنيا للطبيعة العلمانية للنظام البعثي في سوريا. مثل هذا الانتقاد يتكرر كثيرا في الدوائر المغلقة في إيران، خصوصا في جلسات بعض آيات الله المتشددين.
خامنئي أيد كل التدابير التي اتخذت في الاجتماع، من أجل تعويض الأضرار التي يمكن أن تلحق بإيران إذا ما انهار النظام السوري، لكنه شدد على توخي الحذر، وأصدر تعليماته على أن تبقى كل هذه الإجراءات سرية للغاية، وأن لا يجري أي تحرك علني يمكن أن يضاعف الضغوط داخل سوريا على الأسد.
هذا يؤكد من جديد أن المصالح الإيرانية تبقى فوق كل العلاقات التي أقامتها الجمهورية الإسلامية مع الدول والمنظمات. لكن إذا تعب النظام السوري، فستتعب معه كل «أذرعه» في الدول المجاورة لسوريا، وقد بدأت آثار هذا التعب تظهر على هذه «الأذرع». هي في سباق مع الوقت، لكن قصر الفترة الزمنية أو طولها، تحدده قدرة النظام في سوريا على الاستمرار في رفض كل «النصائح والعروض»، ومواصلة الاعتقاد بأن لا حائط قائم أمامه ولا هاوية سحيقة تنتظره. لكن القرار الإيراني الأخير، يعني أن لعبة «الشطرنج» بدأت تتغير وقد تسرّع يد خامنئي نفسه في حسم «كش ملك»، لأن إيران لن تحارب من أجل أحد غير الدفاع عن نظامها فقط. أي أن لبنان لن يكون هذه المرة مسرح عمليات عسكرية للدفاع عن «حياة» النظام السوري، كما كان عام 2006 للدفاع عن برنامج إيران النووي. إيران، البعيدة عن إسرائيل تعرف هذا جيدا، ويعرفه أيضا حزب الله.
الشرق الأوسط