إيران وأذرعها والالتفاف على الثورة السورية من الجولان/ غازي دحمان
لا يسعى «حزب الله» إلى فتح جبهة ضد إسرائيل، ولا يعنيه الأمر، المهم بالنسبة له إنقاذ أحد أذرع إيران في المنطقة، نظام بشار الأسد، وذلك في إطار مهمته الأكبر خدمة المشروع الإيراني، ولتنفيذ هذه المهام، تسلّل حزب الله في خضم زخم الاحداث إلى الجولان، تنفيذاً لخطة جرى تصميمها بدقة في دهاليز الاستخبارات الإيرانية في طهران تقضي بصناعة بنية قتالية في منطقة الجولان، وتحديداً في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام ، السفوح الشرقية لجبل الشيخ والتي تقع فيها القرى الدرزية وتمتلك منافذ برية إلى شبعا والعرقوب .
من الناحية العملانية، يبدو شكل مهمة «حزب الله» تنفيذ عملية استباقية لقطع تواصل الثوار مباشرة مع جرود راشيا وكفرقوق وعين عطا ودير العشائر التي تبعد 20 كلم عن المصنع اللبناني. وبالتالي تطويق دمشق عبر التواصل مع ثوار الزبداني وفتح خط مباشر ايضاً مع قرى مجدل عنجر وغزة حيث توجد بيئة حاضنة للثوار.
لكن تفحص التكتيكات والآليات التي يتبعها الحزب الله في تجهيزه للبنية القتالية في تلك المنطقة المحاذية للجولان يشير بكل وضوح الى الرغبة في تحقيق أهداف أعمق، حيث أن الحزب ، وعلى عكس طريقة عمله في القلمون وأرياف دمشق الغربية والجنوبية لم يؤسس بنية قتالية في مواجهة الثوار ولم يعتمد تكتيكات قتالية في هذه المنطقة، وتركز معظم نشاطه على صناعة بنية لإطلاق الصواريخ وزرع مجموعات صغيرة هدفها التسلل إلى الجانب المحتل من الجولان وزراعة بعض المفخخات.
ولم يسبق أن أشارت التقارير الإخبارية عن المعارك في هذه المنطقة عن حصول صدامات بين الثوار وعناصر من حزب الله، على الرغم أن ذلك يجري بشكل يومي في العديد من المناطق، وصولاً إلى حلب ودير الزور، كما لم يذكر الثوار مثل هذا الأمر، رغم وجود كتائب الحزب في بعض مناطق حوران القريبة، في بصرى الشام، وسابقا في تل الحارّة قبل طردهم على يد الثوار، ما يعني ان وجود حزب الله يقتصر على مستوى الخبراء وبعض عناصر المهام الخاصة بهدف القيام بأنواع محددة من العمليات، وتحديداً الشريط الحدودي الباقي بيد النظام والمحاذي للأراضي اللبنانية.
وكانت قد سربت في السابق أنباء عن نيّة نظام الأسد، وبالاستعانة بخبرة حزب الله، بتأسيس مشروع مقاومة يكون مسرحه هذه المنطقة ويعتمد بالأساس على السكان المحليين، وذلك لمواجهة إسرائيل والضغط عليها، غير أن أبناء المنطقة يعرفون أنه لا وجود لمثل هكذا مشروع إلا في إعلام الاسد وحزب الله، لأسباب لوجستية وعملانية، أهمها أن المنطقة في اغلبها باتت محرّرة وتحت سيطرة الثوار وحتى المناطق الباقية تحت سيطرة النظام لا تملك خطوط إمداد ولا جبهات خلفية يلجأ اليها المقاتلون وتسمح لهم بالمناورة والاشتباك مع العدو، والأهم من كل ذلك أن غالبية ابناء هذه المناطق من الثائرين على النظام ولا يمكن أن ينخرطوا بمشاريعه التي لا هدف لها سوى القضاء عليهم، أما أبناء القرى الدرزية، فبالإضافة الى عددهم القليل الذي لا يكفي لمثل هذا العمل، فهم مشغولون بالدفاع عن قراهم وحراستها ولا يوفرون أي جهد لإنجاز هذه المهمة.
على ذلك فالقضية ذات أبعاد مختلفة ولا يمكن دمجها في إطار ما يسمى المقاومة، ويمكن في إطارين محدّدين كشفت عنهما الوقائع الأخيرة:
الإطار الأول، عملية خلط للأوراق، من قبل المشغّل الإيراني، وذلك بهدف تقديم أوراق اعتماده كحامي مستقبلي للأمن الإسرائيلي من الفوضى على حدوده وإظهار أنه شريك إقليمي مهم ينخرط في الحرب على الإرهاب من ديالى حتى القنيطرة، وبذلك يكون هو ضابط إيقاع المنطقة الذي يحمي ليس بغداد وإنما تل أبيب نفسها، وبالوقت نفسه يمكنه أن يغض الطرف عن المجموعات في هذه المنطقة لإشغال إسرائيل وخلق واقع ميداني جديد في جنوب سوريا يمكن الحركة فيه بمرونة وفعالية أكبر من ميدان جنوب لبنان الذي بات يخضع لقواعد اشتباك معقدة أفقدت إيران وأذرعها القدرة على المناورة في هذه المنطقة.
الإطار الثاني يندرج في إطار مساعي إيران وأذرعها إجهاض أو تعطيل اكتمال تجهيز بنية قتالية للثوار في جنوب سوريا، وهي الجبهة التي باتت تشكل الخطر الأكبر على مركز نظام الأسد في دمشق بعد التقدم الذي حققه الثوار باتجاه تخوم دمشق، وتتميز هذه الجبهة بأداء قتالي وهيكلية تنظيمية فعالة بعديد عسكري يتجاوز قوامه 35 ألف عسكري، وقد سعت ايران ومشغلوها إلى تعظيم مخاطر هذه المنطقة نظراً لوجود خطر أصولي مزعوم، لعلّ ذلك يمكّن من إدراجها في خانة جهود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل نظرا لقناعة أميركا وحلفائها بعدم وجود هذا الخطر، فكان لا بد من الانتقال إلى الخطة «ب» والتي يقع تنفيذها على عاتق حزب الله، وذلك عبر دفع إسرائيل للحرب على هذه المنطقة وإجبار التحالف الغربي على الانخراط معها، أما آلية ذلك فتكون من خلال إطلاق بعض الصواريخ من هذه المنطقة على المستوطنات الإسرائيلية القريبة واستهداف بعض الدوريات الإسرائيلية عبر زرع الألغام وتحميل مسؤولية هذا العمل للثوار، وحتى لو أن إسرائيل كانت مقتنعة بوقوف حزب الله وايران وراء هذا الامر فإنها ستكون مضطرة نتيجة الضغط الشعبي عليها من قبل مستوطني الجولان للتدخل لإعادة الوضع كما كان في السابق لصالح نظام الأسد.
لم ينجح حزب الله، الواضح أن إسرائيل كانت تراقب كل تحركات قادته، وعند تقديرها أن الأمور قد وصلت لمرحلة الخطر تدخلت، غير أن الحزب أخفق مرة جديدة.