اتجاهات المعارضة السورية ومساراتها
فايز سارة
تشغل المعارضة السورية حيزا مهما في اهتمامات متابعي الأزمة السورية الراهنة، سواء في المستوى الداخلي أو في المستوى الخارجي، وأساس الاهتمام يعود إلى طبيعة المعارضة في قواها ومحتوى مواقفها وسياساتها، التي سوف تحدد مسارات السياسات السورية المقبلة، أو تساهم بها بصورة فعالة على الأقل، ذلك أن معارضة اليوم سوف ترسم صورة لسلطة الغد في ضوء التغييرات المقبلة، وهي تغييرات بات من المؤكد أنها آتية بغض النظر عن الوقت اللازم لمجيئها.
وتتشكل المعارضة السورية من ثلاث كتل أساسية، أولى هذه الكتل تمثلها الأحزاب والجماعات السياسية المعروفة، وأغلب هذه الجماعات موجود في سوريا، وقلة منها موجودة في المنفى، والكتلة الثانية تمثلها الشخصيات المستقلة، وهي شخصيات موزعة ما بين الداخل والخارج، وإن كان حضورها في الخارج تزايد في الآونة الأخيرة، والكتلة الثالثة من المعارضة السورية هي كتلة حديثة التشكل كما هو معروف، وأساسها الحراك الشعبي الراهن وما أفرزه من حركات وتعبيرات جديدة بينها التنسيقيات، وأغلب هذه التعبيرات موجود في الداخل السوري.
وبطبيعة الحال، فإن الكتلتين الأولى والثانية أكثر وضوحا وتنظيما بسبب تجربتهما الطويلة، واحتراف كثير من كادراتهما وغير ذلك بخلاف ما هو عليه الوضع في الكتلة الثالثة، التي توصف الآن بأنها الأكثر قوة وحيوية وحضورا في الحياة السورية، لكن حضورها أقل في الجانب السياسي من الحياة السورية.
وتندرج أغلب الجماعات السياسية في تحالفين أساسيين هما: هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وكل منهما يضم أحزابا متنوعة الاتجاهات بما فيها أحزاب قومية عربية ويسارية وأخرى كردية وجماعات إسلامية، كما يضم التحالفان شخصيات مستقلة ذات خلفيات يسارية وقومية وإسلامية وليبرالية من داخل سوريا وخارجها، ويمتد حضور التحالفين إلى عمق الجاليات العربية في الخارج، حيث لهما تكوينات تنظيمية خارج سوريا، تضم أعضاء في الأحزاب السورية المنضوية في إطار التحالف المعني، وشخصيات مستقلة من السوريين في الخارج.
ورغم وجود جماعات وشخصيات إسلامية في إطار التحالفين، فإن ثمة تعبيرات من الجماعات والشخصيات تنتمي إلى التيار الإسلامي غير موجودة في التحالفين، أو أنها كانت فيها وخرجت على نحو ما هو عليه حال جماعة الإخوان المسلمين الذين شاركوا في إعلان دمشق عند تأسيسه عام 2005، ثم غادروه ليشكلوا جبهة الخلاص في الخارج بالتحالف مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، وقد انفصلوا عنها في وقت لاحق، وهم اليوم خارج أي إطار تحالفي في وقت تبدو فيه الحاجة ملحة إلى انخراطهم مع ممثلي التيار الإسلامي الآخرين في واحد من التحالفين القائمين على غرار حال الأحزاب الكردية، أو قيامهم بتشكيل تحالف يمثل التيار الإسلامي في إطار حركة المعارضة السورية.
ورغم التنوعات التنظيمية للجماعات السياسية والشخصيات المستقلة في داخل وخارج سوريا، فإنها تكاد تتفق من الناحية السياسية في تحديد إطار سوريا المستقبل من حيث اجتماعها على سوريا ديمقراطية تعددية محكومة بالتداول على السلطة والعدالة والمساواة وحكم القانون واستقلاله، وهو إطار يمكن أن نقول إن ثمة توافقا سوريا واسعا عليه، وخاصة في أوساط الحراك الشعبي، وهو ما ظهر من وثائقه المعلنة حول الأزمة الراهنة وآفاق حلها ومعالجتها، الأمر الذي يؤكد أن المعارضة متوافقة داخليا من جهة ومع عمقها الشعبي حول أفق التغيير المرتقب في سوريا بخلاف ما يثار بأن المعارضة السورية مشتتة ومتصارعة، وصولا إلى القول بأنه ليس من توافقات سياسية بين أطراف المعارضة، وهو ما تنفيه الوقائع والمعطيات. غير أن التوافقات السياسية للمعارضة السورية لا تعني أن قوى المعارضة موحدة من الناحية التنظيمية، لكن القسم الأكبر منها موحد في تحالفي هيئة التنسيق وإعلان دمشق الكبيرين، بل إن تحالف الأحزاب الكردية موزع بالأصل بين الأخيرين، ولا يحتاج إلى تأكيد أن ثمة جهودا بذلت وأخرى تتواصل باتجاه تحقيق تفاهمات بين تحالفي المعارضة، هدفها رسم دور مشترك يتم القيام به، مساهمة في إخراج سوريا من أزمتها الراهنة، ووضعها على سكة التحول إلى الدولة الديمقراطية التعددية، وهو تحول ليست في معطياته فكرة قيادة موحدة وتنظيم واحد للمعارضة، التي عارضت، كما عارض الشارع السوري، فكرة سيطرة الحزب الواحد في الدولة والمجتمع
الشرق الأوسط