احتدام المعارك على وقع “جنيف2/ صبر درويش “
تتواتر الأحداث سريعة في محيط العاصمة دمشق، ولا أحد يعلم بالضبط ما يجري ويحدث. فالمعلومات الواردة من أرض المعارك الجارية بين مقاتلي المعارضة وقوات الأسد تشير إلى تراجع الثوار على الجبهة الجنوبية من العاصمة، حيث خسرت قوات المعارضة خلال الأشهر، القليلة السابقة، السيطرة على مواقع مهمة كبلدة الحجيرة وسبينة والتي أدى سقوط هذه الأخيرة إلى انكشاف جبهة حي القدم والعسالي الدمشقي، كما يشير إلى ذلك أبو الليث الناشط الاعلامي في لواء حذيفة بن اليمان المرابط في المنطقة، إذ يقول: “أدى تخاذل كتيبة بيان المزعل قائد كتائب جند الله، الذي اعلن انضمامه إلى قوات الأسد، والذي شارك في اقتحام المدينة أدى إلى سقوط بلدتي سبينة والحجيرة جنوب العاصمة دمشق، فانفتح حي القدم فجأة على ثلاث جبهات”. ومن المعلوم ان جبهة حي القدم تشكل الخطوط الخلفية لمقاتلي مدينة داريا، وانكشاف هذه الجبهات يعني ازدياد الأعباء على الثوار المرابطين في داريا.
ومن جهة أخرى، حقق الثوار تقدماً ملموساً على الجبهة الجنوبية الشرقية للغوطة الشرقية، وهي المنطقة المحيطة ببلدة العتيبة الاستراتيجية، حيث تمكن مقاتلو المعارضة من إعادة بسط سيطرتهم على مجموعة من البلدات المهمة في المنطقة كالبحارية والقيسا ودير سلمان.. وغيرها، بينما المعارك الرامية إلى إعادة السيطرة على بلدة العتيبة ذات الأهمية الاستثنائية، فلم تهدأ منذ أسابيع عدة؛ محمد، الاعلامي التابع للواء الشام، المتواجد في الغوطة الشرقية يقول: “تدور في منطقة العتيبة، وفي محيطها، معارك ضارية بين مقاتلي المعارضة ولواء أبو الفضل العباس التابع لقوات الأسد، ولكن التعليمات كانت صارمة في عدم نشر أي معلومات حول هذه المعارك”. ومن المعلوم أن قوات المعارضة كانت قد سيطرت في اواخر تشرين الماضي على حاجز التاميكو، القريب، من المنطقة والواقع على طريق بلدة المليحة، جنوب الغوطة الشرقية. وهو ما أدى إلى تقدم قوات المعارضة خطوة إلى الأمام باتجاه العاصمة دمشق، وهو ما جعل أيضاً من مدينة جرمانا الواقعة بالقرب من مدينة المليحة من جهة دمشق تتحول إلى خط جبهة عسكرية، تجري في محيطها أعنف العمليات العسكرية التي لا تتوقف ليلاً ونهاراً.
على الجبهة الشمالية من العاصمة دمشق، تجري أيضاً معارك طاحنة للسيطرة على طريق دمشق- حمص الدولي، والسيطرة على البلدات المحيطة به؛ وتمكنت قوات الأسد في الأسابيع الماضية من بسط سيطرتها على مدينة قارة المحاذية للطريق الدولي.
وفي السياق ذاته، سنلاحظ ان مقاتلي المعارضة أيضاً مازالوا يحكمون سيطرتهم على مدينة يبرود، وعلى منطقة ريما التابعة لها والمطلة على الاتوستراد الدولي من جهة الغرب، وذلك رغم كل القوات العسكرية التي حشدتها قوات الأسد في المنطقة.
وأفضت هذه المعارك إلى قطع الطريق الدولي وعزل العاصمة دمشق عن المنطقة الوسطى، وهو الأمر الذي بات يهدد بأزمة خانقة بدأت بوادرها منذ الآن، وذلك مع بدء انقطاع مواد المحروقات عن العاصمة دمشق.
كل هذه المعطيات تشير إلى احتدام الصراع على كافة الجبهات المحيطة في دمشق، وهو الشيء الذي يطرح التساؤل حول توقيت هذا التصعيد العسكري، الذي يأتي عقب الاعلان عن انعقاد مؤتمر جنيف2 ، أواخر كانون الثاني المقبل، والذي يفترض به ان يحمل السلام إلى السوريين.
إن ما يجري اليوم، يشير إلى ان الحل السياسي يجري في مكان واتجاه، والحل العسكري يجري في اتجاه آخر إن لم نقل في اتجاه معاكس؛ وهو الشيء الذي يشكك أصلاً بمدى جدية مؤتمر جنيف2، وقدرته على تقديم حلول سياسية بات يطمح إليها أغلب السوريين.
ففي الوقت الذي يعبّر فيه العالم عن تفاؤله حيال مؤتمر جنيف2 وقدرته على وضع حدّ لنزف الدم السوري، سنجد ان لوحة الصراع على الأرض تزداد قتامة طردياً مع حجم التفاؤل الدولي المرافق لجنيف! حتى كاد يصبح مؤتمر جنيف كابوساً على السوريين.
اليوم لم يعد سكان العاصمة دمشق القابعون تحت وطأة الحواجز العسكرية منذ أشهر طويلة، شهوداً على المعارك التي كانت تجري بالقرب منهم، أصبحوا اليوم جزءاًً من هذه المعارك التي تجاوزت محيط العاصمة، لتحول كل بقعة منها إلى ساحة معركة. فكيف لمناخ الحرب الضروس هذا ان يفضي إلى مؤتمر السلام ذاك؟! يعكس السؤال السابق مفارقة قاسية لدى السوريين، تصدمهم في كل مرة يعبر فيها مسؤول أممي عن تفاؤله بمؤتمر جنيف للسلام. إذ لا يوجد ولا حتى مؤشر واحد يشير إلى نية نظام الأسد الخوض في مفاوضات سلام، فكيف في مفاوضات نقل السلطة؟
المستقبل