صفحات الناس

اختفاء السوريين في لبنان/ عاصم بدر الدين

 

 

تقدير ردة فعل اللبنانيين على اختفاء السوريين المفاجئ غير ممكن. أقله، كما في الحالة الفلسطينية*، في مسألة حسابات الربح والخسارة، المادية وغير المادية. على أن هذا الإختفاء، الذي أعقب اضراباً عاماً للسوريين في لبنان كان متوقعاً أن يدوم 3 أيام، لم يُستكمل يومه الأول إلا بإختفاء جميع السوريين عن الأراضي اللبنانية، من دون تسجيل لأي حركة خروج رسمية عبر الحدود البرية أو الجوية.

وكانت صفحة على “فايسبوك”، أُطلقت قبل أسبوع تقريباً، قد دعت للإضراب احتجاجاً على “إذلال السوريين في لبنان” و”على ممارسات الحكومة اللبنانية بحق اللاجئين السوريين”، بعدم “الخروج إلى الشوارع في لبنان ولا إلى أي عمل لمدة 3 أيام اعتباراً من 12-1-2015”. وحتى ظهر اليوم، لم تصدر الحكومة اللبنانية أي تعليق رسمي حول ملابسات هذا الاختفاء، على الرغم مما يُتداول عن دور لبعض أطرافها في تسهيل عملية التهجير الجماعية هذه، وسط تمنّع المصادر الأمنية عن التصريح، مع تأكيدها أن القوى الأمنية في أقصى حالات التأهُب، بحيث تتعامل مع هذا الاختفاء بحذر شديد. وهذا ما تُرجم عملياً بحملات تفتيش ومداهمة نُفذت في مخيمات اللاجئين وأماكن تجمعهم السابقة، واعلان مناطق عديدة في البلاد كمناطق أمنية مغلقة.

ولا تزال مواقف المواطنين اللبنانيين من هذا الاختفاء حذرة أيضاً. إذ أن حركة الأسواق خفيفة جداً، فيما عمد بعض المواطنين للتمون تحسباً لأي طارئ، خصوصاً في ظل تخوف من حيلة ما قد تكون وراء هذا الاختفاء الذي ستعقبه عودة انتقامية. فيما يحمّل آخرون السلطات الرسمية مسؤولية ما جرى، نظراً لتجاهلها الدعوة إلى الاضراب، وللمعاملة السيئة التي لقيها السوريون في لبنان- وهم ما يزيد عن مليون نسمة- منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011.

وكان الأمن العام اللبناني قد أصدر قراراً، في اليوم الأخير من العام الفائت، يُعدل فيه معايير اقامة أو عمل السوريين في لبنان، من دون مراعاة لحالة اللجوء التي يعيشونها، واضطراب أوضاع بلادهم. وهذا ما عُدّ، من قبل السوريين وبعض اللبنانيين، مخالفاً لأبسط معايير حقوق الانسان. على أن الحكومة اللبنانية تذرعت، في تبريرها للقرار، بسعيها لتنظيم الوجود السوري الذي تضخم من دون قيود. في السياق نفسه، كان لافتاً نشر إحدى الصحف المحلية، يوم الجمعة الماضي، لمقابلة مع وزير الشؤون الاجتماعية السيد رشيد درباس، بعنوان فرعي “ماذا رأى درباس في “المنام”.. وكيف فسره؟”. ويروي درباس، في دفاعه عن هذا القرار، كيف دخل لاجئون سوريون إلى بيته، في المنام، طالبين منه مكاناً للنوم. وبعد أن قدم وزوجته لهم غرفة نومهما، جاءه صوت يقول “ممنوع الخيم..”. وهو ما فسّره بأن “منسوب النزوح ارتفع الى حد أغرق لبنان، وانه إذا استمر الوضع على هذا المنوال فقد يأتي وقت لا يجد فيه بعض اللبنانيين إمكانية للسكن في منزل أو حتى في خيمة”.

والحال أنّ الالتباس وحده المؤكد، طالما أن مصير السوريين لم يُعرف بعد، وفي ظل ما يتداول عن اختفاء سوريين جربوا عبور الحدود من سوريا إلى لبنان للاطمئنان على ذويهم المفقودين منذ يوم أمس.

(*) تحاكي هذه المقالة في اختفاء السوريين اختفاء الفلسطينيين من الأراضي المحتلة في رواية ابتسام عازم “سفر الاختفاء” (منشورات الجمل، 2014)، وتحاكي في الكتابة، أيضاً، مقالات كان يكتبها صحافي اسرائيلي، في الرواية نفسها، عن مجريات الاختفاء لصالح جريدة أميركية. هكذا، يبدو الاختفاء المُتخيّل، أقله في هذه الحالة، تمريناً واختباراً لعلاقتنا بالآخرين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى