اختلافات روسية–إيرانية في سوريا/ فايز سارة
يشكل الطرفان الروسي والإيراني القوة الحاضنة لنظام الأسد في سوريا، مكملين في هذه الصورة واقع حلف ثلاثي، يقف ضد طموحات الشعب السوري من اجل تغيير حياته ونظامه بالخروج نحو الحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة عبر تغيير نظام ديكتاتوري ومستبد فاسد وقاتل، استدعى ايران ومليشياتها للدفاع عنه، ثم استدعى بالتفاهم معها روسيا عندما كاد نظام الأسد، يسقط أواخر العام 2015 للهدف ذاته، كما قال الروس، وقبلهم الإيرانيون.
ورغم تشارك الطرفان في حماية نظام الأسد والدفاع عنه طوال الوقت الماضي بوسائل وأدوات متعددة، فان لكل من الوجودين الروسي والإيراني، اجندات مختلفة في سوريا وحولها، وهي تستمد عناصرها من معطيات تتعلق بماهية ومكانة كل واحد من البلدين واهدافهما في سوريا ومحيطها الإقليمي والدولي. ويمكن تلخيص الاجندة الإيرانية، بالقول انها سعي الى تحويل سوريا الى ولاية إيرانية، او دولة تابعة، تدور في الفلك الإيراني على الأقل، وهذا ماجرى التأكيد عليه مرات من قبل مسؤولين إيرانيين، وتؤكده ملامح السياسة الإيرانية من التدخلات السياسية والعسكرية والأمنية الى عمليات التشييع والتمدد الاقتصادي والضخ الديمغرافي الشيعي، والتي تسعى ايران من خلالها الى تحويل سوريا الى ما يماثل العراق باغلبية شيعية موالية، او لبنان باقلية شيعية مسيطرة في الطريق لتحويلها الى ولاية إيرانية، او دولة تابعة كلياً لإيران، وجميعه لن يتحقق الا بفرضيات العنف والقوة، التي يحققها الحل العسكري – الأمني للقضية السورية، بما يعنيه من قتل وتشريد وتهجير ضد السوريين.
اما خلاصات الاجندة الروسية في سوريا، فتقوم على تحويل الأخيرة الى قاعدة روسية في شرق المتوسط، تكون جزءاً من ادواتها في السياسيتين الإقليمية والدولية في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، عبر إيجاد نظام حليف أو الحفاظ عليه ومنع سقوط سوريا في دائرة التطرف والإرهاب”الإسلامي” الذي يمثله “داعش” واخواته من تنظيمات القاعدة “جبهة النصرة” وجند الأقصى وغيرهما. وهذا ما سعت القيادات الروسية الى تأكيده في مسار السنوات الماضية من سياستها السورية، وكرسته عبر تعزيز وجودها العسكري انطلاقاً من التركيز على وجود سلاح الجو في قاعدة حميميم والمطارات السورية، وفي القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، دون استثناء الوجود البري لقواتها، وقد ذهبت لانشاء الفيلق الخامس الخاضع كلياً للسيطرة الروسية، ولان كان الوجود العسكري اساساً في سوريا، فانه سعى لتأكيد حضوره من الناحية الاقتصادية في سلسلة من الامتيازات الاستثمارية، التي تم الاتفاق عليها مع نظام الأسد مؤخراً وفق قاعدة أكدها النظام بان لروسيا الأفضلية في هذا المجال.
ورغم ان الحرب هي وسيلة روسيا لتكريس وجودها في سوريا وللحفاظ على النظام في مواجهة المعارضة المسلحة الهادفة لاسقاطه، وقد حققت تقدماً في هذا بعد معركة حلب، فانها فتحت خط الحل السياسي الذي يوحد الجهود في الحرب على الإرهاب والتطرف “الإسلامي” ضد “داعش” والنصرة واخواتها وفي هذا السياق. جاءت جهودها في انفتاح وتعاون مع تركيا، اثمر في اطلاق اعلان موسكو الذي يمثل توافقاً روسيا تركيا، أجبرت ايران على الانضمام له، ثم ذهبت للتوصل الى وقف اطلاق النار في سوريا رغم الاختلالات المحيطة به، ثم جمعت تشكيلات المعارضة المسلحة خارج النصرة واخواتها، واخذتها الى استانة في خطة تمهد لضمها الى المفاوضين في جنيف عند استئنافه قريباً لانضاج حل للصراع السوري، يتوافق مع الرؤية الروسية او يكون الأقرب اليها، لكنه لن يكون بالمسافة ذاتها من رؤية وموقف كل من ايران ونظام الأسد الذين لايريدان حلاً في سوريا خارج اخضاع المعارضة وكل السوريين، وإعادة البلاد الى السيطرة المطلقة لنظام الأسد وايران.
ان التمايز الروسي – الإيراني في الوجود والاهداف، خلق قواعد مختلفة في التعامل مع السوريين، واساسها من جانب الإيرانيين ادخال السوريين في الشبكة الإيرانية الشيعية بالاغراء او الاكراه عبر استخدام الاذلال والتهجير والقوة المفرطة، فيما أساس التعامل الروسي، يكمن في قبول وجود السوريين والتعامل معهم بالموافقة مع الاحتفاظ بالخصوصيات الايدولوجية والدينية والطائفية، بل والسياسية، طالما كانت خارج خط التشدد والتطرف، وكان من نتائج اختلاف قاعدتي التعامل، ظهور اختلافات وتنافسات روسية – إيرانية، سببت صراعات سياسية وعسكرية وامنية بينهما، بعضها ظهر الى العلن كماهو الموقف من اتفاق وقف اطلاق النار، وبعضها مازال كامناً مثل الموقف من طبيعة الحل المرتقب في سوريا، ولعله لايحتاج الى تأكيد القول ان انعقاد جنيف القادم وما سيصدر عنه من نتائج، سيدفع مزيداً من الاختلافات الروسية – الإيرانية الى الظهور، لان روسيا حققت اغلب أهدافها في سوريا، بينما اهداف ايران مازالت في الطريق، اذا كان لها ان تتحقق!.
المدن