صفحات سوريةفايز ساره

ادعاءات حول سوريا!


فايز سارة

تكثر الادعاءات حول سوريا، كلما أوغلت الأزمة السورية إلى الأعمق زمنيا والأكثر تعقيدا في تفاصيلها الداخلية وفي التدخلات الخارجية في الشأن السوري، وتصل بعض هذه الادعاءات إلى حدود الكذب صراحة أو تلميحا أو تتجاوزه في بعض الأحيان. وتتشارك في تلك الجريمة التي ترتكب بحق سوريا والسوريين هيئات دولية وإقليمية ودول كبرى وصغرى، إضافة إلى شخصيات معروفة، ولكل طرف من الأطراف أسبابه ودواعيه في ما يسوقه عن سوريا وأوضاعها من ادعاءات وأكاذيب.

ومن بين أكثر الادعاءات شيوعا عن سوريا، أنها تعيش حالات انقسام حاد في بناها السكانية طبقا لمكونات دينية وطائفية وعرقية، وأن هذه الانقسامات تتبلور في تكوينات متشددة، تأخذ طريقها نحو التحول إلى جماعات مسلحة، أو أنها أصبحت كذلك بالفعل، وأنها انخرطت في أعمال ونشاطات، تعزز الانقسامات. غير أن واقع الحال في العديد من المناطق والمدن السورية، لا سيما دمشق التي تضم ربع السكان السوريين، يؤكد خطأ الادعاء، ويجعله بلا مصداقية.

وهناك ادعاء آخر، يتردد كثيرا، بالقول إن سوريا تعيش حربا أهلية، أو القول إنها غرقت في حرب طائفية، وهو ادعاء لا يراعي الواقع ولا يفهمه، حيث إن النظام من خلال تبنيه للحل الأمني العسكري يشن الحرب ضد سوريين في كل المناطق، بمدنها وقراها، ولا تميز قذائف الدبابات والمدافع، وحتى طلقات البنادق والقناصات، أهدافها من البيوت والأفراد طبقا لطوائفهم أيا كان الذي يطلقها، بل إن الذين يطلقون النار لا ينتظمون حسب طوائف ومناطق أو ديانات.

كما أن من بين الادعاءات الفاضحة القول بأن سوريا أصبحت قاعدة للخلايا الإرهابية المتشددة، والتي لا تتشكل من سوريين فقط، وإنما من عرب ومسلمين يفدون من أنحاء العالم إلى سوريا ليجعلوها أفغانستان جديدة أو ما يماثلها. ولا شك أن قولا كهذا يشكل كذبا فاضحا، حيث لم تبين وقائع وتطورات نحو عام ونصف عام من الأحداث السورية أحداثا تؤيد أو تدعم هذا الادعاء، بل إن البيئة السورية بما عرف عنها من الناحيتين السياسية والدينية لا تشكل حاضنا لمثل ذلك، ولا هي بيئة جاذبة للمتشددين على نحو ما هو معروف.

وثمة ادعاءات وأكاذيب أخرى، يجري ترديدها حول سوريا، من بينها وصف المعارضة بأنها مسلحة من دون إشارة إلى أن الأمر ينطبق بصورة محددة على الجيش الحر الذي يشكله منشقون عن المؤسسة العسكرية، ومثل ذلك القول بأنه يتم تجنيد أطفال في العمليات العسكرية، وهو أمر غير صحيح في ضوء الوقائع، وكذلك القول بوجود عمليات قتل وخطف وتخريب ممتلكات على خلفيات دينية أو طائفية، خاصة حيال المسيحيين، وجميعها ادعاءات لا تتوافق مع الحقائق القائمة في الواقع.

وأي شيء غير النفي المطلق لأحداث تتصل بما سبق، يدخل في دائرة مبالغة توازي في خطئها ما تذهب إليه تلك الادعاءات والأكاذيب، التي تأخذ حادثة أو قلة من الحوادث، أو مظاهر، أو معلومات يرددها البعض لأهداف سياسية تخدمه، وتعتبرها ظواهر عامة، صارت بمثابة ملامح لسوريا والسوريين، وأصبحت ترسم ملامح أفكارهم وسلوكياتهم، وتحدد الآفاق التي ستتطور إليها مستقبلاتهم.

لقد حدثت في ظروف الحل الأمني – العسكري، الذي اختارته السلطات سبيلا لمعالجة الأزمة بدل المعالجة السياسية، ارتكابات وجرائم وحشية، لا سيما من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وامتدت بعض تلك الارتكابات إلى الوسط الشعبي والجيش الحر، وبعض الأعمال والارتكابات كانت في إطار ردود الفعل على ما حدث ويحدث من انتهاكات فاضحة، لكنها ظلت أعمالا فردية أو محدودة ومقترنة بظروفها وبأماكنها، بمعنى أنها لم تكن ظواهر على نحو ما توصف.

إن الخلفية التي تنطلق منها الادعاءات والأكاذيب السابقة وما يماثلها، تعود إلى أسباب متعددة ومختلفة. أول هذه الأسباب يكمن في جهل الواقع السوري، أو ربط المعرفة به بما هو معروف عن مجتمعات عربية وإسلامية أخرى مثل لبنان والعراق وأفغانستان، وجميعها بلدان لكل واحد منها خصوصياته، التي تجعله مميزا عن غيره، وفي مثال محدد فإن جماعات الإسلام السياسي في كل واحد من البلدان السابقة لا تشبه بعضها حتى في الاسم.

وثمة سبب آخر وراء تلك الادعاءات والأكاذيب، حيث تتحول إلى ذريعة، يتم الاستناد إليها في تبرير مواقف أصحابها، وصولا إلى التنصل من مسؤولياتهم في المشاركة الجدية والعملية بحثا عن حل للأزمة القائمة في سوريا، والتي يمكن أن تكلف البعض مسؤوليات وأعباء سياسية ومادية لا يرغبون في تحملها والقيام بها، ولعل أحد الأمثلة على ذلك الادعاءات القائلة بتشتت المعارضة السورية وانقسامها، باعتباره يبرر عدم اتخاذ موقف يؤازر مطالب السوريين.

وهناك سبب ثالث في خلفية تلك الادعاءات، وهو استخدامها لخدمة مواقف سياسية، يتبناها أصحاب تلك الادعاءات، ومن ذلك قول المسؤولين الروس وتكرارهم إن المعارضة في سوريا مسلحة، وإنها تستهدف تدمير الدولة السورية، وهو ادعاء هدفه تبرير الموقف الداعم للسلطات السورية ومواقفها الذي تقوم به موسكو، وجعل السلطة والمعارضة على ذات الأرضية والمسؤولية في الأزمة السورية.

خلاصة الأمر في الادعاءات والأكاذيب، التي يتم ترويجها حول سوريا والسوريين، أنها ترسم صورا غير حقيقية عن الواقع، وهي تسهم في استمرار الأزمة وتصعيدها، وغالبا فإنها سوف تقود إلى توطين الأزمة وتعميقها، الأمر الذي يضع مسؤولية كبيرة على مختلف الأطراف لا سيما الباحثين عن مستقبل أفضل لسوريا والسوريين للوقوف ضد تلك الادعاءات ومحاربتها.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى