مراجعات كتب

“استبانة” لانشغالات عبد الله العروي/ عبد المومن محو

 

 

 

قبل فترة، خرج عبد الله العروي بمقتطفات من كتاب سيصدر قريباً تحت عنوان “استبانة”، والذي جاء على صيغة حوار، كان قد خصّ به مجلّة تاريخية مغربية. يبدو العمل مثل مساءلة من العروي المواطن للعروي الباحث والمفكّر، منهجية مكّنت صاحب “مفهوم التاريخ” من بلورة أسئلة تضيء انشغالات المغاربة وتلتقط تردّدات النخب، لتصل إلى تحليل ركائز منظومته الفكرية الشارحة لجذور الوطنية المغربية.

كان العروي، وقبل أن يعلن عن مشروع نشر “استبانة”، قد أصدر كتاباً في الاتجاه نفسه بعنوان “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية: 1830 – 1912″، عن “المركز الثقافي العربي”، عُرض في “المعرض الدولي للكتاب والنشر” الذي أقيم مؤخّراً في الدار البيضاء.

الكتاب هو في الأصل أطروحة تَقدّم بها العروي لنيل شهادة الدكتوراه في السوربون عام 1976، وقد نقله إلى العربية محمد حاتمي ومحمد جادور، في خطوة “لا تخلو من صعوبات، ارتبطت أوّلاً بالمنظومة الاصطلاحية الموظّفة من طرف العروي، والتي تطلّبت حرصاً شديداً من أجل نقل المفردات والمفاهيم من الفرنسية إلى العربية، إضافة إلى تعريب أسماء الأماكن والأعلام”، كما أشار إلى ذلك عبد المجيد قدّوري في تقديمه للكتاب.

قسّم العروي الكتاب إلى جزأين وخاتمة. في الجزء الأول، يعرض صورة عامّة للنظام المغربي التقليدي في مرحلة كان لا يزال فيها في منأى عن مصادر التأثير الأوروبي، ويعطي الانطباع بأنه نموذج متّزن وقائم بذاته. لكن انطلاقاً من القرن الخامس عشر، سيكتسب الوضع بعض التعقيد، حين أرغم التوسّع الأيبيري الدولة المغربية على الانغلاق والانكماش على نفسها، وترتّب عن ذلك تعطيل لحركة التاريخ في البلاد.

أما في الجزء الثاني، فيرمي العروي إلى وضع تألُفة لردود فعل العناصر المختلفة المكوّنة للنظام المغربي في مواجهته للضغوط الأجنبية. وهو ما دفع صاحب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”، إلى الحسم في أحد الأمرين: هل يتعلّق الأمر بوطنية سابقة لأوانها، أو أنها مجرّد ردود فعل عفوية؟

اختار العروي أن يحدّد الإطار الزمني لأصول الحركة الوطنية ما بين سنتي 1830 التي تصادف الاحتلال الفرنسي للجزائر، و1912 تاريخ “عقد الحماية” على المغرب، عن وعي، لأنه كان مدركاً ومستوعباً للأطروحة التي كانت سائدة، والتي نسجها خبراء الحماية.

لقد وضع هؤلاء الخبراء، مفاهيم تربط نهاية المغرب القديم بعهد الحماية، وتجعل من سنة 1930 بداية المغرب الجديد، في حين اعتبروا الحركات التي هزّت البلاد قبل هذه السنة في مقاومة الغزو الأجنبي مجرّد تسيّب للقبائل أثاره التوغّل الفرنسي والإسباني، وبالتالي لا تشكّل حركة وطنية.

اعتمد صاحب “مجمل تاريخ المغرب”، في بحثه عن أصول الحركة الوطنية، على رصد الذهنيات السائدة ليُظهر الاستمرارية ويُبرز خصوصية المغرب، فسعى إلى استخراج تمثّل المغاربة لبلادهم، وما كان يميّز الحركة الوطنية كعمل سياسي هادف لمواجهة الاستعمار.

إلا أنه لا يقف عند هذا المستوى، بل يتعمّق في القاعدة التاريخية؛ المجسّدة للاستمرارية، والتي هي الأساس والمحرّك المبني على الثقافة المحلية، التي تؤسّس المنطق المتحكّم في التحوّلات التي يعيشها المغرب، بل تجسّد الانعكاس، الذي يسمح للمغاربة ويمكّنهم من تملّك ماضيهم ومقاربة حاضرهم.

إنها، إذن، أطروحة تركّز على هذا العمق التاريخي الرافض لما روّجت له الأبحاث الاستعمارية المركّزة على ميلاد المغرب الجديد وربطه بالحماية. فالوطنية المغربية كانت لها جذور قبل الاستعمار ولم تتأثّر بهذه إلا في جوانبها الهامشية. لذا فمن الطبيعي أن لا تختفي بانتهاء الاحتلال.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى