استبداد النظام السوري وجرائمه في عصر الثورة الرقميّة
وهيب أيوب
لا شكّ أن النظام السوري يلعن الساعة التي ظهرت فيها الثورة الرقميّة والإنترنت والفيس بوك والتويتر والموبايل واليوتيوب، والفضائيات وغيرها من الوسائل الحديثة التي جرّت عليه الثورة وساهمت بكشف وجهه الإجرامي القبيح، رغم كل أدوات التجميل التي حاول استخدامها، فوقف عارياً بشِعاً أمام شعبه والعالم . فشكراً للثورة الرقميّة بكل أشكالها.
تخيّلوا عدم وجود تلك الوسائل، ماذا كان حال الثورات العربيّة جميعاً، وكيف كان سيتصرّف النظام السوري حيال الذين شقّوا عصا الطاعة والخضوع وخرجوا للمناداة بحريّتهم وكرامتهم…؟
كان ببساطة سيكرّر مذبحة حماة، ويقتل عشرة أو عشرين ألفاً خلال أيام “ويا دار ما دخلِك شرّ”، ولكان مرتزقته، وعلى رأسهم مفتي الجمهوريّة، الذي كان سيصدِر فتوى بتحليل دم هؤلاء الخارجين عن طاعة الخليفة، كما فعل قبل قرون الشيخ الأوزاعي، الذي اخترع حدّ الردّة، وكان يُفتي بمظالِم الأمويين ويحلّلها، وهو من أفتى لهشام بن عبد الملك بقتل غيلان الدمشقي وصاحبه، ثم عاد وأفتى بذبح الأمويون على أيدي العباسيين حين انتصروا عليهم، وقد قبض الثمن في الحالتين، بخلاف أبي حنيفة النعمان، الذي ناهض العصرين ورفض تلقّي الهدايا من الخليفة المنصور كما رفض تعيينه قاضٍ من قبل أبي جعفر المنصور، فقضى في السجن.
هكذا يقوم اليوم المفتي أحمد حسون والبوطي وعدد من أئمّة المساجِد بتبنّي رواية النظام حول المؤامرة، فيساهمون بشكلٍ أو بآخر باستمرار قتل السوريين ويتلقون الهدايا ويقبضون الثمن بالتأكيد.
هذا التواطؤ والصمت المريب، من قِبَلِ قطاعات واسعة من الشعب السوري، متدينين ومثقفين وفنانين وأكاديميين وسياسيين وإعلاميين، إضافة للمتفرّجين على ذبح شعبهم في عدّة مدن ومحافظات، يجعل النظام في إصرارٍ على تصفية الاحتجاجات وقتل الناس وتعذيبهم والزجّ بهم في السجون. ويقول نواف البشير أحد زعماء القبائل في دير الزور، عندما سُئل على قناة الجزيرة حول الحوار مع النظام، أن مسؤول بعثي كبير قال له مُهدّدا، إننا مستعدون لقتل ثلث الشعب السوري .ً
كيف يستطيع هؤلاء نكران الدم ورائحة الجثث الملقاة في الشوارِع وفي المقابِر الجماعيّة؟ كيف لا تثير حميتهم، تشريد النساء والأطفال والعائلات إلى خارج مدنهم وقراهم ولجوئهم إلى دول مجاورِة هرباً من القتل والتنكيل…؟! كيف ينكرون حشرجة وبكاء الطفلة الصغيرة التي قُتل والدها وعمومتها وسُجِن الآخرون منهم، حيث كانت تعِدُ بالانتقام من القتَلَة، ثُم هُجِّرت هي ووالدتها من بيتهم؟ ألا تثير هذه الطفلة شيئاً من ضمائرهم الرخيصة…؟
لقد صدّق الكثيرون من السوريين خداع حافظ الأسد ومصطفى طلاس، أنّهم يسعون لتوازن إستراتيجي مع العدو، ولم يُدركوا أنّهم سيكونون ذات يوم هم أنفسهم ذاك العدو الذي وجّه بشّار وعصابته دبابات الـ تي 72 إلى صدورهم، وقصف مدنهم وقراهم ومحاصرتها، بدل إرسالها للجولان المحتل، وخلف ذاك الشعار وغيره نهبوا من دماء وأموال الشعب السوري أكثر من مائتي مليار دولار. إذاً، من عرق ودماء الشعب السوري تُراق دماؤهم…!
ثم يخرج علينا فيلسوف عصره، الوريث الصغير بشار الأسد، الذي أراده أحد أعضاء زريبة “مجلس الشعب” لينّصبه قائداً للعالم، وليقول بشار الأسد، إن هناك بعض الأخطاء ارتكبتها أجهزة الأمن…!
إذاً، كل تلك الجرائم الهمجية والتقتيل والتعذيب والتهجير والتدمير والاعتقالات والمقابر الجماعيّة، هي مجرد أخطاء صغيرة، ربما تحتاج فقط من بشار الأسد ليقول للشعب السوري، عفواً …!
لا يا فيلسوف زمانك، هذا ثمنه فقط إسقاطك وإسقاط عصابتك بالكامل وليس أقل.
ثمّ يقول إنّه أعطى أوامره بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، وهناك مثل شعبي عندنا يقول: “الحَق الكذّاب لباب الدار”، وما كان في اليومين التاليين لكذبه سوى سقوط أكثر من سبعين شهيداً على الأقل، مع استمرار الاعتقالات والحصار والقصف والتنكيل بالمتظاهرين…!
يقول مثل سوري آخر: “من يريد أن يعمل جمّال، عليه أن يُعلّي باب داره”، وأنتَ استحوذت من والدك الديكتاتور على سلطات واسعة لا تُعّد ولا تُحصى، رئيس الجمهورية، أمين عام الحزب، القائد العام للقوات المسلّحة، وأنّه بتوجيهاتك الثاقبة الحكيمة تسير كل الأمور، فمن المسؤول إذاً عن كل تلك الجرائم والإيغال في دماء الشعب إلى هذا الحد، الذي لا يفعله إلا التتار…؟!
فإما أن تكون أنتَ رئيساً لتلك العصابات المُجرمِة، وإما أنّك لا تحكُم. وفي تلك الحالتين عليك بالتنحّي عن سلطة لستَ أهلاً لها، ولم تكن من حقّكَ في الأساس، لأنّك مجرّد وريث أباك الديكتاتور.
تصوّروا يا ناس، لو لم يكن العالم قد تحوّل إلى قرية صغيرة في ظل هذه الثورة الرقمية الهائلة، التي أتاحت للسوريين والعالم كشف جرائم وعار هذا النظام الفاشي، ولو تُرِكت الأحداث للمرتزقة المأجورين من شبّيحة الإعلام السوري الفضائحي السافل، ماذا كان سيكون مصير هذا الشعب المظلوم…؟
أخيراً نقول، نعم أنّه هناك بالفعل مؤامرة، لكنها داخلية وليست خارجية، وأن من حاكها وينفّذها، ليسوا السلفيين ولا العصابات المسلحة ولا المهرّبون على الحدود اللبنانيّة، إنّهم باختصار أولئك الذين منعوا أي وسيلة إعلام من الاقتراب لمسرح جرائمهم. والمعروف دائماً أنّ المتآمرون هم فقط المعنيون بإخفاء الحقائق والأحداث والتستّر عليها. إنّهم بوضوح أركان النظام نفسه لا غير.
فشكراً للثورة الرقمية المُساندة للثورة على المتآمرين التي فضحت جرائمهم.
الجولان السوري المحتل/مجدل شمس