صفحات سوريةعبدالله أمين الحلاق

استبداد «ممانع» وآخر «معتدل» والحرية بين المنزلتين

عبد الله امين حلاق

لا يبدو للمراقب ان ثمة انتفاضة قريبة ستشهدها أرض الحرمين على ما شهدت بلدان عربية عديدة من تونس بالأمس إلى سوريا وما بينهما. ليس ثمة إرهاصات حراك ثوري قد يهدد عرش العائلة الحاكمة أو سلطة الإكليروس الوهابي رغم مبادرات إصلاحية سلطوية بدت هشة وخجولة مقارنة بالظلام الذي يلف المملكة. ظلام يسم انغلاقاً اجتماعياً ونظاماً سياسياً قروسطوياً، وحيّزاً يتبوأه الفكر الديني العائد إلى السلف والذي كان مسنداً لأطروحات محمد بن عبد الوهاب، عنينا ابن تيمية وقبله ابن حنبل.

هذا في ما خص المحور السعودي والمسمى «محور الاعتدال»، الذي كان ولا يزال يقدم نفسه طرفاً معتدلاً في المنطقة، أما في المحور الآخر والمسمى بـ«محور الممانعة» والمواجه المحور الأول اليوم، فالأمر أوسع نطاقاً على الأرض وفي مجال الحراك السياسي، عبر ثورة شعبية ضد نظام طاغ من الطراز البائس. من قلب لظى تلك الثورة الملتهبة والأعداد الغفيرة للمنتفضين فيها ضد النظام نقف عند شخص لم يغيبه النظام السوري في غياهب السجون.

إنه مازن درويش، الناشط الحقوقي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والذي عمل مع رفاقه في المركز الاعلامي على توثيق ورصد انتهاكات النظام السوري وقمعه للشعب المنتفض، سجناً وقتلاً وتعذيباً. مازن درويش فرد يعبر عن ضمير حقوقي مدني حمولة سياسية عالية مشارك في ثورة شعبه، كالكثيرين، ممن غيبهم النظام السوري عمداً على طريق إبرازه طابعاً للثورة منسوباً إلى عصابات مسلحة وإرهاب ديني منذ خرج الناشطون والمثقفون في شارع الحريقة وامام وزارة الداخلية في دمشق وكتب اطفال درعا على جدران المدارس.

في محور «الممانعة» طالما كانت تهم «وهن نفسية الأمة وإضعاف الشعور القومي» جاهزة لترفع في وجه أي معارض، وصولاً إلى أيامنا المشتعلة هذه والتي قد يغيب فيها المعتقل ويخرج من السجن، هذا إن خرج، مضرجاً بالجراح وآثار التعذيب الجسدي والنفسي وأحيانا عاهات مستديمة. أما في محور «الاعتدال»، فإن فرداً آخر قارب هواجس مازن درويش في الحرية يبدو منسياً بدوره في غياهب السجون الوهابية ومن دون ان تدق هتافات الثوار الأحرار جدران السجون كما في سوريا اليوم، بل في ظروف موت سريري لا تلوح احتمالات انفجار المجتمع من رحمه بعد. انه رائف بدوي، مؤسس الشبكة الليبرالية في السعودية والمدافع بقوة عن قيم التنوير والإصلاح الديني والمنافح عن حقوق الإنسان المستلبة في بلده، وهو كان من الشجعان الذين قارعوا بالكلمة والحجة ذلك النمط السائد في المملكة لناحية سيطرة رجال الدين وفتاواهم على المجتمع، ولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. سجن رائف ثم ووجه بتهم تثير السخرية كحال تهم النظام السوري لمعارضيه، ذلك ان تهمة الناشط السعودي كانت «العقوق بحق الوالدين».

في ظل نظام بعثي، يناط بالمحاكم هناك الدفاع عن «شرف الأمة ونفسيتها والشعور القومي» تبعاً للايديولوجيا الحاكمة هناك. أما في ظل نظام ديني وهابي فتسمى التهم متعلقة بالشريعة الإسلامية والكبائر في الإسلام من قبيل «عقوق الوالدين». هنا، وفي تعليق نشر ونسب إليه، خرج والد رائف بدوي ليتبرأ من ابنه بالقول: «ابني رائف بدوي ملحد وابنتي سمر عميلة لإيران». كم يذكرنا هذا النمط من التصريحات بالخروج القسري لمعتقلين سوريين مدنيين او ذويهم على شاشات الاعلام السوري وهم يدلون باعترافات تدور في فلك ادعاءات السلطة السورية ومزاعمها بمحاربة «الإرهابيين».

مازن درويش اسم محترم في فضاء الثورة السورية يشير إلى حالات ومشاركة مثقفين شجعان في ثورة الحرية والكرامة في سوريا، وفي مجالات حقوقية وتوثيقية دفع ثمنها غالياً، خاصة مع تسريب معلومات تفيد بتحويله إلى محكمة ميدانية، ما يعني احتمالات مواجهة حكم الموت. رائف بدوي رمز من رموز التنوير والإصلاح الديني في بلد منغلق لاهوتياً على نفسه، تبدو معركة التنوير الصعبة والتي لا تزال في بدايتها طريقاً صعباً نحو التحرر السياسي فيه.

ضريبة الحرية تدفع يومياً في البلدان العربية، فحيثما نظرت في سوريا وسط الموت اليومي والقمع الدموي على يد النظام وعسكره انتابك شعور بالغربة عن بلدان في العالم العربي أنجزت إسقاط أنظمتها وبدأت تكابد المعاناة الطبيعية والضرورية للمرحلة الانتقالية، وكأن الديموقراطية والحريات ليست حقاً وعنواناً لعالم اليوم وشعوبه! أما في السعودية فالغربة ذاتها وأنت تمشي في شوارع المملكة لتشهد تطبيق الشريعة الإسلامية، وإن انخفض منسوب تطبيقها اليوم مقارنة بالسابق، في ساحة الإعدامات قرب مطار الرياض. هناك يتدحرج رأس أحدهم على الأرض في الوقت الذي تقلع فيه طائرة نفاثة من المطار لتذكرك أنك تعيش في الألفية الثالثة.

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى