استطلاع حول تعليم اللاجئين السوريين في لبنان: الوصول إلى المدرسة تقرره التدابير الرسمية/ رامز انطاكي
تختلف المقاربات تجاه قضية اللاجئين السوريين في لبنان، فغير تلك السياسية والأمنية والإغاثية التي تكاد تطغى على غيرها من المقاربات، هناك محاولات تبدو جدية وجديرة بالاهتمام تطال واقع تعليم الأطفال السوريين اللاجئين في هذا البلد الذي استقبل أعداداً فاقت مليوناً ونصف مليون لاجئ.
إحدى هذه المحاولات كانت على يد مجموعة من طلاب معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف اليسوعية في بيروت، بإشراف مديرة المعهد الدكتورة كارول الشرباتي، الذين قاموا بتنفيذ الاستطلاع في 914 استمارة شملت شرائح اللاجئين وتوزعهم الجغرافي.
ويبدو أن المؤتمر الصحافي الذي عقد يوم الخميس 10 آذار(مارس) لإعلان الاستطلاع قد أثار اهتماماً كبيراً، فقاعة الوليد بن طلال التي شهدت المؤتمر غصت بالحضور اللبناني والسوري والغربي على السواء. فكأن المنظمين لم يتوقعوا هذا الإقبال الذي جعل المكان ضيقاً ومزعجاً بعض الشيء، كما أن ضعف التجهيزات الصوتية لم تسمح بسماع كلمات المتحدثين على نحو واضح، واضطرار البعض للوقوف أو الجلوس في ممرات القاعة حرمهم من مشاهدة العرض البصري المرافق لتقديم الاستطلاع.
هذه المنغصات التنظيمية لم تنقص في النهاية من قيمة وأهمية العمل الذي قام به الطلاب ومدى دقته وعلميته، فالعرض السريع نسبياً الذي تناوب عليه ثلاثة طلاب كان جيداً على صعيد اختيار الأمور التي تناولها بحيادية، إلى جانب فيلم قصير أبرز صورة إنسانية مؤثرة عن اللاجئين كان من الضروري عرضها، ربما كي لا يتحول اللاجئ إلى مادة للدراسة المجردة بعيداً من حقيقته كإنسان.
وانطلقت الدراسة الممولة من قبل منظمة «إغاثة ومصالحة من أجل سورية» من خلفية برنامج «العودة إلى المدارس Race» الذي ينفذ بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية ووكالات الأمم المتحدة والمانحين الدوليين، بهدف دعم المجتمعات المضيفة واللاجئين، لتوفير تعليم مجاني لأكثر من 350 ألف طفل لبناني وسوري.
وكان هدف الاستطلاع وفق العرض الذي قدمه الطلاب والأوراق التي وزعت على الحضور باللغتين العربية والإنكليزية «قياس مدى تأثير التدابير الجديدة لناحية الوصول إلى التعليم ونوعيته»، وقد أظهرت النتائج التي عُرض موجز عنها أموراً ملفتة على صعيد الأرقام والنسب.
قرابة 47 في المئة من الأطفال السوريين في لبنان يذهبون اليوم إلى مدارس رسمية، مقابل 16 في المئة يذهبون إلى مدارس غير رسمية. هذه النسب ترتفع في المدن وتتدنى خارجها على نحو يبدو منطقياً ومفهوماً لأسباب تتعلق بالمواصلات وبعد المسافات وأيضاً عمالة الأطفال الموسمية في الأعمال الزراعية.
أحد الأسباب الغريبة للتسرب المدرسي كان وفق الدراسة وبعض الحضور من المتابعين هو «الشاويش»، أي الشخص الذي «يحكم» مخيمات اللاجئين في المناطق غير المدنية كبعض مناطق البقاع والشمال والجنوب. وهو شخص يبدو ديكتاتوراً لا يقاوم يتحكم بمعيشة اللاجئين وطرق حياتهم وحتى تعليم أولادهم، ويستغلهم في الأعمال الزراعية.
الجزء المخصص من الاستطلاع لأسئلة من نوع «هل أنت سعيد في لبنان؟» وما الذي تفتقد إليه؟» و «ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟» أثار شجوناً ومشاعر مختلفة لدى المتابعين: 41 في المئة من الأطفال ليسوا سعداء في لبنان بسبب افتقادهم بيوتهم وعائلاتهم وأصدقاءهم ومدرستهم الأصلية، لكن رغبة قرابة ثلثهم أن يصبحوا معلمين ومعلمات في المدارس عندما يكبرون تثير الاطمئنان تجاه علاقة هؤلاء الأطفال بالمدارس التي يذهبون إليها اليوم.
غالبية المستطلعين عبروا عن اعتقادهم أن مستقبلهم هو في سورية، تضاف إليهم نسبة وصلت إلى 21 في المئة في بعض الحالات قال أصحابها أن مستقبلهم هو خارج لبنان لكن ليس في سورية، بل في دول المهجر. وهذه النسب قد تشكل عامل تطمين في وجه المخاوف السياسية والأمنية وربما الاجتماعية والتي تتمثل في موضوع التوطين وتغيير ديموغرافية لبنان وتوازناته الطائفية والسكانية.
التوصيات التي خلصت إليها الدراسة كانت مهمة أيضاً، إذ لفتت إلى أن التعليم وسيلة أساسية للحد من الزواج المبكر وعمالة الأطفال والتطرف، كما أشير إلى أن الاستعانة بالمعلمين السوريين قد يكون لها دور إيجابي في تــعليم الأطفال الـــسوريين، وهو الاقتراح الذي طرح بخجل ليواجه على الفور –كما هو متوقع- بتعابير سلبية على وجه مدير عام وزارة التربية الأستاذ فادي يرق الذي كان حاضراً وكانت له حصة من التعليق على الاستطلاع ونتائجه.
مداخلة يرق أشادت بالاستطلاع ونتائجه التي اعتبرها «دليلاً على نجاح الوزارة في خطتها»، لكنه تساءل عن المنهجية المتبعة في الاستطلاع وشكك في صحة بعض الأرقام التي تناولت عدد التلاميذ السوريين في لبنان.
المجال كان متاحاً أيضاً لتوجيه بعض الرسائل لممثلي المنظمات والمانحين الدوليين من قبل يرق الذي كان حازماً في رفضه أي تعليم للاجئين خارج إطار التعاون مع وزارة التربية التي يمثلها، بخاصة عبر جمعيات «غير قانونية» أبدى شكوكه حيال ما تقوم بتدريسه للتلاميذ، كما بدا غير مقتنع بفائدة مشاركة المعلمين السوريين اللاجئين في هذه البرامج الدراسية.
الدكتورة شرباتي لفتها حجم مشاركة المانحين والجمعيات العاملة في مجال تعليم الأطفال اللاجئين، ما يدل برأيها على الوعي القائم بعمق المشكلة، وأبدت هذه الجهات بعد المؤتمر رغبتها في الحصول على الدراسة المفصلة المبنية على الاستطلاع. وشددت شرباتي على احترام الاستطلاع منهجية علمية دقيقة مبنية على معطيات موثقة أثناء العمل على تنفيذ الاستطلاع. كما لفتت إلى أن الاستطلاع يشير إلى مشكلة تعليم الأطفال من عمر 13 إلى 18 سنة وضرورة تأمين تدريب مهني لهم ربما يؤمن لهم مستقبلاً أفضل.
أهمية المشاركة بين المجتمع المدني السوري والجمعيات العاملة على أرض الواقع برفقة وزارة التربية اللبنانية أمر تحدثت عنه شرباتي لـ «الحياة» متفهمة حساسية الحكومة اللبنانية ممثلة بوزاراتها المختلفة تجاه بعض جوانب هذا الأمر. ودعت إلى أن يشكل هذا النجاح في مجال التعليم حافزاً لتكرار هذا النجاح في مجالات أخرى.
الطالبة غايل يوسف تحدثت عن جانب آخر من العمل الميداني في الاستطلاع، حيث التقت بحالات شكلت لها صدمة، إذ تعرفت إلى عائلات كبيرة العدد تعيش بموارد مالية ضئيلة، وطفل يتيم ابن 12 سنة يعمل ليعيل إخوته بعد وفاة أهله، وبنات تزوجن في عمر الثانية عشرة.
تشرح يوسف: «زادت إنسانيتنا تجاه هؤلاء اللاجئين، وربما تأثرنا بآراء سلبية أحياناً صدرت عن من هم أكبر منا، لكن مع العمل المباشر معهم غلب علينا التعاطف الإنساني»، مشددة في الوقت نفسه على أن هذا التعاطف على أهميته لم يؤثر في موضوعية الاستطلاع وعلميته.
الحياة