استفتاء العار
اوكتافيا نصر
الصور الرهيبة التي تصلنا من سوريا أكثر من مقلقة ومثيرة للغضب. إنهم يفقدون صوابهم. كيف لنا أن نتجاهل يأس المدنيين الأبرياء ومعاناتهم؟ كيف لنا أن نشيح بنظرنا عن الجثث والأشلاء التي تتناثر في شوارع المدن في سوريا؟ تستمر آلة القتل وتشويه الضحايا العزّل، وتتواصل أصوات الاحتجاج التي تصم الآذان بحيث إنه لم يعد بالإمكان تجاهلها أو الادّعاء بأنها غير موجودة أو بأنها أكاذيب ملفَّقة أو ضرب من ضروب “المؤامرة”.
يوثّق مواطنون عاديون الفظائع التي تُرتكَب عبر استخدام هواتفهم الجوّالة أو كاميرات هواة، ويقومون بتحميل مئات أشرطة الفيديو يومياً عبر الإنترنت. الوضع في سوريا حسّاس جداً، ولم يسمح النظام السوري لأي صحافي بدخول البلاد والعمل بحرية وبصورة مستقلّة لإعداد تقارير عن الوضع هناك بعيداً من أعين الرقابة. وهكذا وقعت مهمة مواكبة مستجدّات الثورة السورية على كاهل السوريين العاديين وحفنة من المراسلين الذين تسلّلوا إلى البلاد خلسةً من دون علم السلطات السورية أو موافقتها. وإلى جانب الموت المأسوي للعديد من المراسلين الأجانب والمحليين، أثار فيض مشاهد القتل والفظائع غضب الجزء الأكبر من العالم باستثناء قلّة لا بد من أنهم أضاعوا أصواتهم وقلوبهم وعقولهم، أو ساوموا عليها خدمة لمصالحهم القومية أو روابطهم الوثيقة مع زمرة الأسد.
وقد تسلّح الرئيس بشار الأسد بدعم حفنة من القادة الذين لا يزالون يقفون إلى جانبه، وتأييد عدد ضئيل من السوريين الذين يحافظون على ولائهم له، لإجراء استفتاء حول دستور جديد مقترح. يصعب أن نتخيّل كيف استطاع الناس أن يتوجّهوا إلى مراكز الاقتراع في حين أن الجزء الأكبر من البلاد تحت الحصار نتيجة المعارك الضارية التي تدور بين القوات السورية الموالية للأسد والجيش السوري الحر الذي يمثّل المعارضة ويطالب بتخلّي الأسد فوراً عن السلطة.
يردّد كثرٌ منذ أشهر أن الرئيس يبدو منفصلاً عن الواقع. إنه غير مستعد لمواجهة الحقيقة والإقرار بأن الأوضاع سيئة جداً في سوريا، وبأنه خسر الكثير من السيطرة في الأشهر الأحد عشر الماضية.
ففي الوقت الذي يُقتَل فيه عشرات الأشخاص يومياً في حمص وحماه ومدن كبرى أخرى، وصلت التظاهرات المناهضة للأسد إلى العاصمة دمشق. وعلى الرغم من حصيلة القتلى اليومية في صفوف المدنيين من مختلف الأعمار، لا يشعر الأسد بأي وخز ضمير. فبدلاً من العمل على وقف العنف أو الإقرار بوجوده، توجّه إلى مركز للتصويت على الدستور برفقة زوجته المتأنّقة، وصوّت كاشفاً عن أسنانه البرّاقة أمام عدسات الكاميرات وكأنه ليست هناك أي مشكلة في سوريا.
وكأن لا أحد يتّهمه بقتل شعبه. وبالتزامن مع الاستفتاء، كانت بلدان عدة تجتمع في تونس تحت شعار “أصدقاء سوريا” لمناقشة سبل الدعم للمعارضة وإطاحته من السلطة.
يتصرّف الأسد وكأن سوريا ليست على شفا حرب أهلية. وكأن كل شيء على ما يرام، وسوريا تتّجه نحو الإصلاح وفتح سجل سياسي جديد ونظيف بقدر ملابس الرئيس!
خلال العام المنصرم، رأينا الوضع في سوريا يتحوّل من مطالبة خجولة بالإصلاح إلى انتفاضة شاملة. وبحسب الوتيرة التي تسير بها الأمور، إذا لم يُكبَح الأسد على وجه السرعة، فسوف يجر سلوكه اللامبالي البلاد نحو مجموعة من أسوأ السيناريوات من دون أن يكون هناك حتى أي أمل بسيناريو أفضل.
النهار