اشتباك سياسي في الطريق إلى جنيف وسوتشي/ عدنان علي
يسعى النظام السوري، ولو بخطى وئيدة، إلى التمدد ميدانياً وتوسيع نطاق سيطرة قواته لتشمل ما بقي بحوزة فصائل المعارضة من مناطق، خصوصاً في ريفي حماة وإدلب إضافة إلى محيط دمشق، بدعم عسكري وسياسي من جانب إيران وروسيا، في مقابل استمرار تحضيرات موسكو وطهران لعقد “مؤتمر الحوار السوري” المقرر في سوتشي نهاية الشهر الحالي، أما المعارضة فتبدي عدم ارتياحها للمؤتمر، لكنها تفضّل عدم حسم موقفها بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تحوّلات، وما إذا كانت ستسبقه “تطمينات” بأنه “سيكون داعماً لمسار جنيف لا بديلاً عنه”.
وبعد محادثاته في موسكو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، منذ أيام، ربط وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، صراحة بين نجاح مؤتمر الحوار السوري في سوتشي، وكف المعارضة عن المطالبة برحيل رئيس النظام بشارالأسد. وقال إن “إيران وروسيا في مرحلة حاسمة من التحضير لعقد مؤتمر سوتشي”، معرباً عن اعتقاده بأنه “من دون عقد مؤتمر سوتشي وأخذ نتائج جولات أستانة في الاعتبار، لن يحصل أي تقدم مهم في محادثات جنيف”. كما أشار إلى أن “التقدم في المفاوضات السورية مرتبط أساساً بتقدّم العمل مع المعارضة السورية”.
وكان لافتاً تجنّب لافروف الإشارة خلال حديثه إلى تركيا باعتبارها الضامن الثالث لوقف النار في سورية، وسط تصاعد السجالات بين الطرفين بسبب المعارك في شمال سورية. وكانت الخارجية التركية استدعت السفيرين الروسي والإيراني لديها للتعبير عن انزعاجها جراء هجمات النظام السوري على مناطق “خفض التصعيد”، التي تم الاتفاق حولها في مباحثات أستانة.
كما دعا وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، موسكو وطهران إلى “العمل على وقف انتهاكات قوات النظام لمنطقة خفض التصعيد في إدلب”. وهو ما حاولت وزارة الدفاع الروسية الردّ عليه عبر حضّ أنقرة على “تنفيذ الالتزامات التي تعهّدت بها لضمان مراعاة الفصائل المسلحة في المنطقة لاتفاق وقف العمليات القتالية وتنشيط العمل في مجال نشر نقاط مراقبة في منطقة خفض التصعيد في إدلب”. كما أشارت إلى أن “الهجمات التي تعرضت لها القاعدة الروسية في حميميم، انطلقت من جنوب غربي محافظة إدلب، الخاضعة لتشكيلات مسلحة تابعة للمعارضة السورية تعتبر معتدلة”.
وفي وقت واصلت فيه روسيا التحضير لمؤتمر سوتشي، باشرت العمل على تأمين الرعاية الأممية له، إلا أن مايكل بونتي، القائم بأعمال مدير مكتب المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، ذكر لوكالة “تاس” الروسية، أن “المسؤول الأممي لم يتخذ قراراً بعد بشأن المشاركة في المؤتمر”. وأوضح أن “الجولة التاسعة من مفاوضات جنيف لم يتم تحديد موعدها أيضاً”، وذلك على الرغم من أن رئيس وفد المعارضة السورية نصر الحريري ذكر لوكالة “فرانس برس”، أن “تلك الجولة تقررت في 21 يناير/ كانون الثاني الحالي، وستستغرق ثلاثة أيام”.
ورأى الحريري في تصريحاته أن “عملية سوتشي تهدد بتقويض عملية جنيف”، معتبراً أن أي “عملية موازية لجنيف ستساعد النظام على المضي في استراتيجيته العسكرية”. وجاءت تصريحات الحريري في وقتٍ باشر فيه وفد من المعارضة برئاسته، جولة خارجية تشمل الولايات المتحدة، بهدف حث الدول الفاعلة في المشهد السوري على تأييد مسار جنيف والتمسك بالمرجعيات الدولية الناظمة للحل السياسي في وجه أية محاولات لإيجاد مرجعيات جديدة، ومحاولات النظام وحلفائه للتعديل المستمر لأسس الحل السياسي تبعاً لما يحققونه من تقدم على الأرض.
وفي إطار الاعتراضات الدولية القليلة حتى الآن على سياسة النظام المدعومة روسياً، والرامية إلى تغيير التوازنات على الأرض قبل أية استحقاقات سياسية، استنكرت فرنسا استهداف قوات النظام المتعمد للأهداف المدنية في إدلب وغيرها من المناطق. الأمر الذي سارعت وزارة خارجية النظام السوري، أمس الخميس، للردّ عليه، معربة عن استغرابها إزاء ما وصفته “إصرار باريس على الاستمرار بتضليل الرأي العام الفرنسي حيال ما يجري في سورية، تحديداً في محافظة إدلب”. ونفت الخارجية “استهداف قوات النظام للمستشفيات والمدنيين في إدلب”، ومستغربة ما وصفته “تبنّي الخارجية الفرنسية ادعاءات تنظيم جبهة النصرة، بما يدل على جهلها بما يجري في ريف محافظة إدلب”. وبررت خارجية النظام العمليات العسكرية بالقول إن “جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) ليست طرفاً في تفاهمات أستانة، وبالنتيجة فإن توفير الغطاء لها يعني تقديم الدعم لها، ما يشكل مخالفة واضحة وانتهاكاً فاضحاً لقرارات الشرعية الدولية”.
وفي السياق، اعتبر عضو وفد المعارضة لمفاوضات أستانة العقيد فاتح حسون، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الروس أخطأوا التقدير، وسيرون ما يؤكد لهم ذلك في كل المناطق”، مؤكداً “اعتزام فصائل المعارضة استرجاع ما خسرته من مناطق خلال الفترات الأخيرة”.
وحول الاتهامات للفصائل بعد وضع ثقلها العسكري في المعركة، تنفيذاً للتفاهمات في أستانة أو خارج أستانة بين الأطراف الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، على تسليم محافظة إدلب إلى النظام وروسيا، في مقابل السماح لتركيا بدخول منطقة عفرين، شمال البلاد، الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية، وصف حسّون الاتهامات بأنها “مجرّد ترّهات”، مؤكداً أن “ما يحدث من معارك مشرفة، وما يصدر من تركيا من تصريحات على كافة المستويات ودعمها لموقف الجيش الحر، يكذب هذه الأقاويل”.
بدوره، حذّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأطراف التي تريد إنشاء دولة في شمال سورية، من أنه “ستخيب آمالهم وسيرون من تركيا ما يلزم”. ونقلت وكالة “الأناضول” عن أردوغان قوله خلال اجتماعه، أمس الخميس، مع المخاتير الأتراك في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، إن “المناطق التي يُراد إنشاء حزام إرهابي فيها في الشمال السوري، كلها تقع ضمن حدود الميثاق الوطني لتركيا (الذي يعطيها حق المشاركة في تقرير مصير مناطق خارج حدودها الجغرافية، كالموصل وحلب وكركوك ومناطق باليونان وبلغاريا)”. وشدّد على أن “تركيا ليست على الإطلاق الدولة التي يمكن أن تُفرض عليها سياسات الولايات المتحدة غير المتزنة في منطقتنا”، معتبراً أن “تركيا ليست مجبرة على دفع ثمن التقصير الأوروبي تجاه تطورات المنطقة”.
العربي الجديد