اعتذار إلى الكائنات الفضائية/ مازن معروف
في الجهة البعيدة من القمر، رصد العلماء برجاً طوله حوالي إثنين وثلاثين كيلومتراً. كما شاهدوا على سطح القمر ما يعتقد أنها جسور حجرية قديمة هائلة الحجم، وأنابيب ضخمة تخترق تربته. الدراسات أثبتت أن القمر غني بغاز الهيليوم-3 الذي قد يكون أحد المصادر المستقبلية للطاقة، ويعتقد أن تلك الأنابيب هي لامتصاص هذا الغاز. وهي بالطبع ليست من صنيع البشر. كما يشاع أن عدم صعود الـ”ناسا” مجدداً إلى القمر، سببه تلقيها تهديدات مباشرة من مخلوقات فضائية هناك، وأن نيل أرمسترونغ نفسه قال – إلى جانب جملته الشهيرة عن القفزة العملاقة والبشرية – “إنهم هناك، يراقبوننا!”. وهنا، سيكون مفيداً لاكتمال الصورة أن نتخيل فزع نيل أرمسترونغ حينها وإحساسه بالعجز. وهو الذي أعلن في مؤتمر صحافي بمناسبة مرور ثلاثين سنة على هبوطه على القمر، بأن ثمة أموراً غامضة تحدث حوالينا ولا نعرف عنها بعد أي شيء. ما أثار حيرة الصحافيين وقتها. لماذا قد يقول أرمسترونغ شيئاً كهذا في مناسبة كهذه؟ عدد من العلماء، يعتقد بأننا مراقَبون. المخلوقات الفضائية تراقبنا باستمرار. وبنفس الطريقة التي نراقب بها نحن الوحوش المحبوسة داخل أقفاص في حديقة الحيوان. نحن في غاية البدائية بالنسبة لهم. بكل ما نفعله. وهؤلاء يستطيعون، بذكائهم الفائق، تدمير كوكبنا في غضون لحظات. إلا أن رادعاً ما – قد يكون أخلاقياً – هو ما يمنعهم من ذلك.
في تسجيل مصوَّر، شوهدت مركبة على بعد ملايين السنين الضوئية، تحط على مقربة من سطح الشمس، وتغرز أنبوباً ضخماً فيها وتشفطُ البلازما. بتقدير حجم الشمس وحجم المركبة والمسافة ما بين المركبة والشمس، فإن طول الأنبوب قد يصل إلى آلاف الكيلومترات ناهيك عن قوة تحمّله ومقاومته للحرارة الرهيبة. أما المركبة فهي على الأرجح أكبر بمئات المرات من حجم كوكب الأرض. الأرجح أن المخلوقات الفضائية تستخدم بلازما الشمس كمصدر للطاقة. هؤلاء، ما داموا قادرين على اختراع مركبة من “مادة” ما، مادة غير أرضية بالطبع، وغير مكتشفة بعد للعلماء، وقد تتحمل ملايين الدرجات المئوية من دون أن يتعطّل جزء منها، وما داموا قادرين على تحريك مركبة كهذه، سواء برائد فضاء أم بدونه، فإنهم يتمتعون بتكنولوجيا رهيبة، وذكاء فائق، يمكنهم من قطع آلاف السنين الضوئية على الأرجح من دون مشكلة.
أما بناؤهم لأنابيب على سطح القمر، فيدل على أنهم قادرون على القيام بعمليات حفر وتنقيب ونصب قواعد مراقبة ورادارات عملاقة، واحد منها على الأقل رُصِد موجّهاً نحو الأرض. هم بالتأكيد يتجسسون علينا. نحن إذن، لسنا جيراناً للقمر – بعد إذن فيروز، إذ لا مكان للرومانطيقية هنا – بل جيران لمخلوقات فضائية ترابط على سطح القمر. ويقال إن البحر قبالة جزيرة سانتا كاتالينا الأميركية هو أكثر النقاط نشاطاً للمركبات الفضائية. واحدة منها رُصِدت على عمق عشرين ألف قدم، العمق الذي يستحيل على أية غواصة في العالم وصوله حتى هذه اللحظة. كما أن الجيش النرويجي، أطلق عدة صواريخ من بوارجه الحربية في نهاية التسعينيات على مركبات انطلقت من الماء وحملت شكل سيجار هائل. وخلال الحرب الباردة، سُجِّلَ أن خروتشوف كان مهتماً بالأمر أيضاً، وأوعز إلى المخابرات للاهتمام بالأمر بعد ورود تقارير مؤكدة عن ظهورهم في مكان قريب.
لكن الأمر ليس بجديد على ما يبدو. فقد ظهرت أشكال للمركبات الفضائية في كتابات سومرية قديمة، وجاء في جداول السومريين القديمة أن ثمانية ملوك حكموا سومر لفترة تقارب ربع مليون سنة، بمتوسط حكم يزيد عن ثلاثين ألف سنة لكل منهم، هل كان هؤلاء بشراً مئة بالمئة؟. كما أن هناك رسوماً فرعونية تظهر مركبة فضائية واحدة على الأقل. ويقال إن سكان التيبيت قديماً اتصلوا بهم. وإن بعضاً من الدالاي القدماء متحدّر من مخلوقات فضائية أو على الأقل هم سليلو تزاوج بين مخلوق فضائي وآخر بشري. وسجل كولومبوس خلال ترحاله في الأطلسي مشاهداته لما اعتبره “نجوماً” تتحرك بخفة في السماء، وكانت بالعشرات، كما شاهد آليات غريبة تنطلق من الماء ويختفي أثرها بسرعة. كذلك يربط البعض غرق أطلانتس بهم.
ويروى أن مركبة فضائية صوّرت وهي تحوم عن قرب، خلال قصف الغواصات اليابانية للولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وقد نشرت الصورة في بعض الصحف الأميركية في اليوم التالي.
حتى أن بعض العلماء يعتقد أنه قد يكون للمخلوقات الفضائية دور في تطوير جنسنا، إذ ساهموا في تشكيل حضاراتنا القديمة، بل وقد يكونون تدخلوا في جيناتنا قديماً، علّنا نعبر بشكل أسرع من نوع البشري البهيم إلى الفرد المسؤول أمام الوجود. غير أننا على ما يبدو أخفقنا، وقد تكون حروبنا بمثابة نكران لجميلهم. ولربما هم يبحثون الآن حلاً من اثنين: إما المضي في مساعدتنا أو إنهائنا، وإلا فكيف نفسر كثرة التقارير في العشر سنوات الأخيرة عن صحون ومركبات فضائية ظهرت فوق تركيا والنرويج وروسيا وأميركا وفنلندا؟ اللافت هنا أن أياً من المركبات لم تُسجَّل رؤيتها فوق الرقعة العربية، أو ربما لأننا لا نملك بعد التقنيات الواجبة لرصد صحون فضائية، أو أن مشهدنا من فوق مقزز جداً، لذلك يوصي أسياد تلك المخلوقات -هذا إن كان لهم أسياد من الأساس – أو مجلسهم الاستشاري بأن يتجنّبوا منطقتنا ويوفروا على أنفسهم صدمة غير ضرورية وإحساساً بالفشل.
” الأرجح أننا فعلاً مراقبون. لكننا بالنسبة لهم لسنا أكثر من ضجيج في فقاعة. وأنهم بسهولة يستطيعون بعثرتنا في الفضاء بصيغة غبار. وقد يكونون هم أنفسهم من يحرف كل تلك النيازك عن الاصطدام بالأرض. وهذا بلا شك سيكون في منتهى السهولة بالنسبة لهم. مثلاً، بمنح النيزك لكزة خفيفة بموجة كهرومغناطيسية تغيّر مساره بضع درجات، فيتفادى الارتطام بالأرض. لكن السؤال المُحيِّر هو ما الذي يمنعهم من تدميرنا؟ ألديهم وازع أخلاقي؟ أم أن أدمغتهم من التطور بحيث لا يمكن العثور فيها على فكرة القتل أو إبادة الآخر أو احتلاله؟ أم أن الأرض مجرد مختبر كبير، وما نعيشه ليس سوى التجارب التي يجرونها علينا؟ مهما كان السبب، فمما لا شك فيه هو أن فوضانا لا تروق لهم.
لكن هذه الفوضى، أوجدت الفيزياء تفسيراً علمياً لها، وبمعادلات وضعها في القرن التاسع عشر لودفيغ بولتزمان. وهو ربما ما يردع المخلوقات الفضائية، التي نجزم أنها منحازة للاجتهادات العلمية قبل أي شيء آخر. بولتزمان برهن أن الفوضى سلوك طبيعي تميل المادة نحوه. كأن ترمي في الهواء مثلاً كتاباً أوراقه منفصلة، أو تنظر إلى دخان يتصاعد أو كوب ينكسر. سترى أن الشيء يصبح أكثر فوضوية مع الوقت، وأن احتمالات تشظّيه أو تبعثره لا تحصى. وهو ما ينطبق على الكون عموماً، ويبرر ظاهرة تحوّله إلى شكل أقل ترتيباً كلما تمدّد. سلوك لا يشذّ عنه البشر المكونين بدورهم من جزيئات ميّالة إلى التبعثر. لو لم تكن طبيعة المادة منزاحة نحو الفوضى، لما كانت الأحشاء لتخرج من جسد ولا الدم ليندلق في كل الاتجاهات ولا الشرايين والأوعية لتنفجر ولا الأشلاء لتتبعثر إذا ما تهيأت الشروط لذلك.
قد يكون هذا التفسير بارداً ومتعاليا ومهيناً أيضاً. لكنه، ويمكن قوله بشكل ساخر، يُسجَّل للبشر وصولهم إلى تفسير الفوضى، بعد شغفهم بها طوال قرون من الزمن، عبر المجازر والغزوات والقصف البربري والاحتلالات والتعذيب الوحشي، والنزعة إلى محو الآخر، وانتهاك حق المرأة، واستغلال الطفل، والامتياز الممنوح لصالح الرجل في كل المجتمعات والثقافات الرائجة، ثم الرجل الأبيض على سواه من الرجال.. إلخ. سلوكيات لطالما أفضت إلى الفوضى والتشتت، وهي اليوم سمات بشرية كلاسيكية. بل وتجد دائماً من هو مستعد للاحتفاء بها. وقد يكون أكثر الأمثلة الكلاسيكية وقاحة هنا، هو ما حدث عندما احتفل الفيزيائي الأميركي روبرت أوبنهايمر ورفاقه بـ”فاعلية” قنبلة هيروشيما التي صمموها، فهلّلوا واحتسوا الشمبانيا ما إن سمعوا بـ”الفوضى” المرجوة التي أحدثتها. القتل في النهاية هو نوع من الظفر بهذه الفوضى.
نحن إذن جيران مزعجون. كمؤدّين في فيلم لا يلبث أن يعيد نفسه وبنسخ أكثر رداءة. ونحن على ما يبدو مدينون باعتذار جماعي للمخلوقات الفضائية، القوم الذين لا يزال لديهم سبب للاهتمام بنا. وإلا فلماذا تتكرر زيارتهم؟ لقد أمضوا آلاف الأعوام يصغون إلى حروبنا، ويتلقون مآسينا من دون أن يبادروا بعد إلى محونا أو طردنا خارج المجرة. فتطورنا التكنولوجي يفوق قيمنا الأخلاقية واستيعابَنا لما بين يدينا. حسُّنا بالجريمة ثابت. والتكنولوجيا متغيرة.
اكتشف مراقبو الفضاء مؤخراً، أن الكون بات يتمدَّد بسرعة أكبر مما جرت عليه العادة من قبل. ما يعني أن هناك تسارعاً في فوضاه، وأننا متجهون إلى عزلة أكبر عن كل ما يحيط بنا، وعن ماضينا. وأننا في كل لحظة نصبح أقرب إلى الخراب العظيم. ومع هذا التمدّد، سنصل إلى مرحلة لا يعود فيها يحدث أي شيء من حولنا. ما يعني أننا سنفقد إحساسنا بالزمن، وسنعجز عن تحديده، لأن مرور الوقت فيزيائياً مرتبط بمرور حدث ما. أي أن أحداً لن يعود يسجل ملاحظاته عن مركبات فضائية، وسيصبح كل حديث عن المخلوقات الفضائية، جيراننا الطيبين، ضرباً من النوستالجيا. وسنشتاق إليهم فعلاً.
العربي الجديد