اعتقال الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي وسياسة الاخفاء القسري وتغييب الناشطين السلميين
دمشق ـ ‘القدس العربي’ ـ من أنور بدر: جرى مساء يوم الخميس 18/7 / 2013 توقيف كل من الفنان السوري يوسف عبد لكي ورفيقاه عدنان الدبس وتوفيق عمران قبل دخولهم مدينة طرطوس بمسافة 2 كم تقريباً، عند حاجز الأمن السياسي الشهير، وجميعهم أعضاء في حزب العمل الشيوعي في سوريا، ثم اقتيدوا إلى جهة غير معلومة.
الفنان يوسف عبدلكي من مواليد مدينة القامشلي عام 1951 وقد اعتقل في حملة أيار / مايو 1978 زمن الأسد الأب، على اسم رابطة العمل الشيوعي/ الحزب لاحقاً، وأخلي سبيله ورفاقه في 4 شباط/ فبراير من العام 1980، كمبادرة من النظام إثر الصراع بينه وبين الأخوان المسلمين في سوريا. وسافر بعدها إلى إسبانيا ومن ثم فرنسا حيث تابع دراسته، وبقي مهجراً في منفاه القسري قرابة ربع قرن، حتى عاد في أول مرة إلى سوريا عام 2005.
حصل عبدلكي على إجازة من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1976 وعلى دبلوم غرافيك/ حفر من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس عام 1986 ثم الدكتوراه من جامعة باريس الثامنة عام 1989 في فن الكاريكاتير، وكان قد بدأ رسم الكاريكاتير منذ عام 1966 بتشجيع من والده الشيوعي السابق.
اليوم يعيد النظام اعتقال الفنان يوسف ورفاقه ليس فقط بسبب مواقفهم الرافضة للقتل والعنف الدائر في سوريا، بل أيضا بسبب إصرار النظام على ترهيب العلمانيين والنشطاء السلميين من أبناء الشعب السوري، وخاصة منهم أصحاب الكلمة المؤثرة بهدف دفعهم للهجرة وإفراغ البلد من تلك الأصوات الحرة، الأمر الذي يظهر سوريا مجرد بلد يعج بالمتطرفين والإرهابيين، ويظهر في الوقت ذاته النظام باعتباره الطرف الوحيد المستبسل في تخليص البلاد من عصابات التطرف والإرهاب، على أمل أن يحقق من خلال ذلك كسب مزيد من التأييد العالمي، وويسرع في تدويل الصراع على الساحة السورية، كما يحيّد في الوقت ذاته بعض الدول الداعمة للمعارضة، كي لا تبدو بمظهر الداعم للتطرف المسلح.
وكان يوسف عبدلكي من أوائل الفنانين السوريين الذين عبّروا بشكل صريح عن تضامنهم مع الحراك الثوري في سوريا، مشدداً على أهميّة بقاء الحراك سلميّاً وعلى رفض العسكرة، كما شارك في العديد من النشاطات الثقافية والفنية لدعم الثورة السلمية، ولعل أهمها مساهمته مع فنانين آخرين في تأسيس رابط الفنانين التشكيليين الأحرار في سوريا، ضمن جهد لإستعادة العمل النقابي والنضالات المطلبية إلى مكانهما الطبيعي بعد أن سرقتهما سلطة البعث، وألحقت كل النقابات والاتحادات والجمعيات المهنية بالقيادة القطرية لحزب السلطة الحاكمة.
وليس مصادفة أن يتزامن أعتقال يوسف ورفاقه، مع شائعة تمّ تسريبها من بعض الأجهزة الأمنية دون أن نتأكد من مصداقيتها بعد، وتتعلق بوفة رفيقه في الحزب المعتقل الدكتور عبد العزيز الخير، والذي ترفض السلطات الأمنية حتى تاريخه الإعتراف باعتقاله، أو أنه موققوف لديها، وهي السياسة التي اتبعت مع العديد من الناشطين السلميين كالمحامي خليل معتوق، حيث شكلت سياسة ‘الاختفاء القسرّي’ او اختفاء ناشطين سلميين ومثقفين وحقوقيين عدّة في سوريا وبشكل خاص في العام الأخير، سمة تشكل انتهاكاً لعدد من حقوق الإنسان بما فيها حق كل إنسان في الأمن والكرامته، والحق في الاحتجاز في ظروف إنسانية، والحق في المعرفة والمتابعة الشخصية القانونية لمحاكمة عادلة، وصولاً للحق في الحياة، مما يجعل عمليات الاختفاء القسري جريمة بموجب القانون الدولي، وتهديداً لحياة وسلامة المعتقلين، أكثر من مجرد الاعتقال العادي.
ربما يكون يوسف عبدلكي من الفنانين القلائل الذين لم يفصلوا بين ثقافتهم وفنهم وبين معتقداتهم ونضالاتهم، حيث كرس جلّ إبداعه لقضايا الإنسان وبشكل خاص قضية الحرية، فقدم أهم رسومه بالأبيض والأسود التي تحتفي بجماليات فنية عالية من حيث الشغل على التفاصيل الصغيرة، كما تحتفي بقيم إنسانية عالية منافحة في سبيل الحرية والعدالة، وقد دفع يوسف وما زال يدفع ثمن هذه الخيارات وهو يخطو لاكمال 62 سنة من عمره.
الحرية ليوسف عبدلكي ولكل معتقلي سوريا.