اغسلوا أيديكم من الانقلاب العسكري السوري
وفيق السامرائي
قرأت تقييما للسيد رفعت الأسد يستبعد فيه تمرد الجيش السوري على النظام. بينما يتحدث آخرون عن احتمالات وقوع انقلاب عسكري من داخل القصر وخارجه، لعزل الرئيس والإبقاء على ما يوصف بـ«حكم الطائفة العلوية». وهذا ديدن التفكير الأميركي، قبل أن تنتقل عدواه إلى سياسيين وإعلاميين يحاولون البحث عن إجابات. فلماذا لا يحدث هذا لينهي كل شيء في ليلة وضحاها، بأزيز الطائرات وهدير المدرعات وبث المارشات الحربية؟ وهل ابتعاد العساكر عن السياسة كان اختيارا أم فرضا؟ وكيف يصح النظر إليهم؟ هل هم مهنيون وطنيون أم أدوات بطش ومرتزقة؟
يقع الانقلاب عادة نتيجة ضعف رقابة ونفوذ الأجهزة الأمنية، أو نتيجة تفردها الأمني وقوة سيطرتها، فتقوم هي بالتخطيط والتنسيق والسيطرة والقيادة. أو أن تكون لقيادة القوات المسلحة خصوصية اعتبارية كبيرة وتفرض سيطرتها على كل المفاصل العسكرية، ولا وجود لقوات منفصلة عنها، كقوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص وغيرهما من المسميات. أو أن يقوم قائد الحرس الخاص بالانقلاب ويتولى ترتيب السيطرة على الفروع الأخرى. وهذا لا ينطبق على الوضع السوري إطلاقا، وإن انطبق على شخص واحد أو اثنين فقط من القادة الكبار الحاليين فهما جزء أساسي من العائلة، ولا يمكنهما العمل وفق الأفكار المتداولة. والمعارضة وفق طروحاتها المعلنة لا تقبل بهما أيضا.
الأجهزة الأمنية السورية كثيرة وكبيرة ولا تخضع في المحصلة إلا لرئيس الجمهورية، حتى لو ارتبط أحدها شكليا بوزير أو قائد أو مكتب. وهي منتشرة في كل المدن بمستويات مختلفة، ولا هيمنة لجهاز على آخر، حتى لو كان أحدها أكبر قوة من الآخر كحالة طبيعية.
أما قادة الفرق والتشكيلات فمعظمهم (كما يقال) من العلويين، وإذ يشعر هؤلاء بوحدة المصير، على الرغم من الخطاب الهادئ للمجلس الوطني والجيش الحر، فهل ينتظر منهم وفق المعطيات الحالية التحرك لمصلحة المعارضة والثورة على النظام؟ خصوصا أن التمثيل العلوي في تشكيلات المعارضة لا يزال ضعيفا للغاية. ويلاحظ أن القائد الأبرز من بين السياسيين والعسكريين في الخارج، لم يحظ بتأييد يمكنه من الاضطلاع بدور قيادي يساعد في التغلب على هذا العنصر الضاغط جدا. وأقصد بذلك رفعت الأسد. وعلى قلة معلوماتنا عن المعطيات المادية عن دوره فيما حدث قبل ثلاثين عاما، فإنه لم يخرج بطروحاته المعلنة عن الاهتمامات والهواجس العربية.
إن قائدين عسكريين اثنين فقط يمكنهما التحرك للسيطرة على النظام، هما العماد آصف شوكت وماهر الأسد، ومن السذاجة تصور إقدامهما على عمل كهذا. وما عدا هذين الشخصين، فإن أي فعل سيدخل تحت باب الانشقاق والتمرد في مناطق متفرقة، ويصعب تصور حدوثه باتفاقات منسقة، إلا في حالة حصول تصدع في القوات المسلحة، أو تآكل هياكلها نتيجة اتساع الانشقاقات والتخلف عن الالتحاق بالخدمة والهروب منها.
الثورات الطويلة الأمد، أو التي تعتمد على الانشقاقات، لا يعول فيها كثيرا على الرتب الكبيرة، بل على جيل الشباب. إلا أن وجود الرتب الكبيرة يعطيها قوة دعم معنوي وقيادي، وهذا لم يسجل حتى الآن في الحالة السورية، ربما للأسباب التي أشرنا إليها. وحالة كالتي يسعى الثوار لتطويرها من جانب، مقابل حرص النظام على البقاء، فإن الصراع يتأثر بفلسفة الحركة والتأثير، ومن يستطع التأثير في الوسط التنفيذي أو (عليه) بحكم الإجراءات، يحقق عناصر نجاح في معادلات الصراع. وإذا ما جرى تقييم الموقف حتى الآن من زاوية فنية يمكن التوصل إلى نتائج تدل على أن الصراع سيكون طويلا، إن لم يقع تدخل خارجي مباشر.
من جهة المعارضين، فقد نجح المجلس الوطني بضغط (بعضه خارجي) من بلورة وجود معقول مقارنة بقوى معارضة في دول أخرى. ونجح الجيش الحر والجماعات المسلحة غير المعروفة انتماءاتها في تحقيق انتشار واسع جدا تطلب استخدام النظام للقوات المسلحة بأسلحتها الثقيلة. ومن جهة، فإن النظام أثبت أنه قادر على التماسك والمطاولة لأسباب بنيوية داخلية ودعم خارجي نادر الحدوث.
لذلك، فإن التعويل على انقلاب عسكري ليس إلا هراء. والنتائج سيحكمها الفعل الميداني، الذي قد يتحول، في حالة رجحان كفة النظام، إلى حرب غير نظامية، على غرار عمليات المقاومة العراقية بدعم خارجي سخي.
والأسابيع المقبلة ستعطي الإجابة الوافية.
الشرق الأوسط