صفحات العالم

الآثار النفسية للانشقاقات عن النظام


    عبد الكريم أبازاد

في بلدان العالم التي انعم الله عليها بالديموقراطية، حكومات لديها أجهزة أمنية تحت إمرتها وإشرافها وتوجيهاتها، أما عندنا فلدينا جهاز أمني متشعب متجذر يستأجر حكومات تعمل تحت إمرته. ففي سوريا لا يمكن تعيين وزير أو عضو مجلس شعب أو مسؤول في الدولة، مدنياً أكان أم عسكرياً، من دون موافقة جميع أجهزة الأمن. بل أكثر من ذلك، لا يمكن تعيين آذن أو مختار أو مؤذن جامع يقع في أقصى البلاد من دون موافقة أجهزة الأمن.

عندما أقول عن رئيس الوزراء انه الشخص الثاني في السلطة التنفيذية، فإني أتساءل: كيف ضلَّل هذا “المدسوس الفاسد” أجهزة الأمن طوال سنوات عدة من عضو في حزب البعث الى أمين فرع الى محافظ الى رئيس مجلس الوزراء من دون ان تكشف هذه الأجهزة أنه “مدسوس”. الأمر نفسه ينطبق على جميع المنشقين، فلا تُكتشف خياناتهم وفسادهم إلا بعد أن ينشقوا.

الانشقاقات في مجملها ليست ظاهرة سلبية بل فيها الكثير من الايجابيات بالنسبة إلى النظام. فمن خلالها يتخلص النظام من الفاسدين الذين كانوا سبب البلاء والغلاء وإعاقة التنمية وتدهور مستوى معيشة المواطنين. وأعتقد أن سوريا عندما يكتمل الانشقاق وتتطهر من هذه الشلة اللعينة، ستقلع اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً حتى تلحق بماليزيا التي كانت مثلنا الآن قبل أربعين عاماً.

الآثار النفسية التي تتسبب بها الانشقاقات تتمثل في خلخلة جهاز الحكم. فهي تُحدث عدم ثقة متبادلة. الجميع أصبح لا يثق بالجميع. كل مسؤول يشعر بأنه تحت المراقبة الصارمة حتى لو كان من أشد المخلصين للنظام. هو أيضا بدوره يضع من يعتقد أنه يراقبه تحت مراقبته ويتمنى أن يأخذ عليه ممسكاً لكي يكسب ثقة الأعلى مرتبة. هذا بدوره يخلق تفككاً متزايداً بدل التعاون بين أفراد الفئة العليا في النظام يجعلها تعيش في دوامة. أدت هذه الشكوك المتبادلة الى جعل كل مسؤول يخشى ان يغادر مقر اقامته حتى لزيارة قريب له في مدينة مجاورة وخصوصاً اذا كانت تقع على تخوم البلاد. إن هذا التخلخل في عمل أجهزة الدولة يجعل قادة النظام شديدي القلق فاقدي الأعصاب يدورون في حلقة مفرغة مع بطانتهم وأقرب المقرّبين اليهم. وهذا ما يستنزف النظام. فمن معك ربما هو ليس معك. تالياً يتحول الجميع أعداء للجميع. ويصبح الشعار المفضل: “أنج سعد فقد هلك سعيد”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى