الآشوريون في الحسكة بين نار النظام وتنظيم الدولة/ أيمن الحسن
أثارت المفاوضات التي عقدت بين ممثلي الطائفة الآشورية المسيحية وتنظيم الدولة الإسلامية للإفراج عن معتقلين آشوريين، تساؤلات بين مشكك فيها وبين معتبر أنها محاولة من التنظيم لإظهار نفسه كدولة تحكمها قوانين ومؤسسات.
وكان “مجلس حرس الخابور” أعلن مؤخرا إفراج تنظيم الدولة عن ستة من المحتجزين على دفعات بعد أربعة أشهر من احتجازهم في مدينة الشدادي -معقل التنظيم جنوب محافظة الحسكة- بعد مفاوضات طويلة.
وقال مجلس حرس الخابور في بيان له إن “المجلس فاوض تنظيم الدولة الإسلامية لإطلاق المحتجزين”، مشيراً إلى أن التنظيم طلب دفع مبلغ 1335 دولارا “جزية” سددها دنخا متى -أحد المفرج عنهم في وقت سابق- قبل أن يتم إخلاء سبيل المحتجزين.
بدوره، أفاد الناشط محمود الأحمد للجزيرة نت بأن المحتجز الوحيد المتبقي لدى تنظيم الدولة هو دافيد إيشو بولص، بعدما أفرج عن كل من شليمون عنتر من تل هرمز، وكيوركيس برخو، ونينوس جانو نويا خلال الدفعة الأخيرة برأس السنة الميلادية.
دهشة واستغراب
وقال الأحمد إن “استهداف التنظيم للآشوريين جاء على خلفية مشاركة بعض العناصر الآشورية في المعارك إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على مدينة تل تمر والطريق الواصلة بين مدينتي الحسكة ورأس العين، حيث تنتشر عشرات القرى الآشورية على ضفاف نهر الخابور، بالإضافة إلى تنسيق اللجان الشعبية من الآشوريين في منطقة الخابور مع الوحدات الكردية”.
ويعتبر الآشوريون بكل طوائفهم وتسمياتهم عبر المراحل التاريخية المختلفة ورثة الحضارات الآكادية والبابلية والآشورية والآرامية، ويمثلون بلغتهم وثقافتهم الخاصة الامتداد الطبيعي لتلك الحضارات في العصر الحديث، ويتركز تواجدهم بشكل أساسي في منطقة الخابور غرب الحسكة.
بدوره، قال عضو المكتب السياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية كرم دولي إن عملية الإفراج عن المخطوفين الآشوريين الستة من قبل تنظيم الدولة “أثارت العديد من التساؤلات، وبعبارة أدق الدهشة والاستغراب لدى غالبية المتابعين”.
وأضاف أن “الاستغراب جاء لجهة الثمن المقابل للإفراج عنهم والذي خرج عن السياق المعتاد أو المتوقع بطابعه المالي الباهظ أو الديني المتشدد، فقد كان ببساطة تنفيذاً لحكم الهيئة الشرعية (المؤسسة القضائية لدى دولة الخلافة الإسلامية) في منطقة الشدادي بدفع الجزية لكونهم من أهل الذمة”.
دولة الخلافة
وأوضح دولي في حديث للجزيرة نت أن دفع الجزية رسالة واضحة موجهة للآشوريين والمسيحيين، بأنهم يعيشون اليوم في دولة فيها قضاء وقوانين تطبق وفق أصول تشريعية وأجهزة تنفيذية، وبالتالي عليهم الامتثال لسلطة دولة الخلافة وإلا فمصيرهم الخطف والتنكيل.
وزاد “هي كذلك رسالة تريد تعزيز الانطباع بأن مشروع دولة الخلافة ماضٍ قدماً ويتعزز يوما بعد يوم، وخاصة كونها تأتي في سياق قيام التنظيم بمجموعة من الإجراءات ذات الطابع الحيوي غير العسكري والديني، كإصدار العملة وإنشاء بنوك ومراكز طبية ومناهج تعليمية”.
وتابع دولي أن “تنظيم الدولة الإسلامية بما يمثله من فكر ظلامي وما يمارسه من وحشية، يمثل خطراً حقيقياً ليس فقط على الآشوريين، بل على جميع سكان المنطقة، ولا يمكن التفاؤل بمستقبل آمن للمنطقة يقوم على أسس الشراكة الحقيقية بين جميع المكونات ووفق توافقات ترعى حقوق الجميع وتراعي هواجس كل الأطراف، بحيث تتمكن من إطفاء جمر الاحتقان الكامن تحت الرماد، والذي لا يقل خطراً عن تنظيم الدولة”.
وأشار إلى أن الآشوريين سعوا مع بقية مكونات المنطقة من عرب وكرد، من خلال مؤسساتهم السياسية والاجتماعية والكنسية على اختلاف مواقفهم السياسية، لتحصين مقومات السلم الأهلي، والحيلولة دون تحول منطقة الجزيرة إلى ساحة صراع مسلح، ولم يتم رصد ظاهرة هجرة واضحة حتى نهاية العام 2012 بعد انسحاب قوات النظام إلى مراكز المدن واقتصار وجودها على القامشلي والحسكة.
وكشأن باقي السوريين، انقسم الآشوريون مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011 بين مؤيد للثورة ومتوجس من التغيير خوفا من الانفلات الأمني وتنامي التيارات الإسلامية المتشددة، خاصة أن تجربة العراق بعد عام 2003 بما حملته من تهجير وبطش طال إخوتهم، قلص وجودهم التاريخي إلى أقل من الثلث.
الحسكة
الجزيرة نت