الآن.. اجلسوا مع الروس
طارق الحميد
إعلان وزير الخارجية الروسي ونظيره القطري في مؤتمر صحافي مشترك أمس في القاهرة أن روسيا والجامعة العربية اتفقتا على خمسة أسس لتسوية الأزمة السورية، من بينها قرارات الجامعة المتضمنة دعوة بشار الأسد إلى ترك السلطة، لا يمكن القول إنه انقلاب في الموقف الروسي، بقدر ما أنه يعد اختراقا مهما.
الدب الروسي لم يستدر بالكامل، وإنما هو في وضع الاستدارة، وهذه الاستدارة، وعطفا على ما حدث يوم أمس في القاهرة، توحي بأن موسكو قد تلعب في سوريا نفس الدور الذي لعبته الرياض في صنعاء لخروج علي عبد الله صالح، وتحت غطاء دولي. جلسة الأمس في القاهرة شهدت اشتباكا سعوديا – قطريا مع الوزير الروسي، حيث تصدى كل من الأمير سعود الفيصل، والشيخ حمد بن جاسم لنظيرهما الروسي، فدافعا عن المعارضة السورية، وذكّراه بتاريخ المنطقة، ومواقف بلاده فيها. بدوره استخدم الوزير الروسي التاريخ أيضا للدفاع عن بلاده، حيث قال لافروف إن موسكو لم تكن تستعمر أوطاننا. لكن دفاعهم عن الأسد أسوأ حتى من الاستعمار! فهل هذا يعني نهاية المطاف؟ بالطبع لا.
اتفاق «الخمس نقاط» العربي – الروسي تكمن أهميته في ما قيل بعد الإعلان عنه، فبعد أن أعلن لافروف عن أن الاتفاق يتضمن: «وقف العنف من أي مصدر كان، وإنشاء آلية رقابة محايدة، ولا تدخل خارجيا، وإتاحة المساعدات الإنسانية لجميع السوريين دون إعاقة، والدعم الكامل لجهود الموفد الدولي كوفي انان إلى سوريا استنادا إلى المرجعيات التي قبلتها الأمم المتحدة والجامعة العربية»، قال الشيخ حمد – وهذا هو الأهم – إنه يريد تأكيد أن «المرجعيات المعتمدة لكوفي انان هي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (الصادر) في 16 فبراير (شباط) الماضي، وخطة العمل العربية (المعتمدة) بتاريخ 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وقرارات الجامعة العربية في 22 يناير (كانون الثاني) و12 فبراير الماضيين». وهذا كله يعني الانتهاء بترك طاغية دمشق للسلطة. والسؤال كيف سيتم ذلك، حتى لو تمت العودة لمجلس الأمن مجددا، بعد أن قبل الروس أمس ما رفضوه يوم استخدموا الفيتو في مجلس الأمن، خصوصا أن الاتفاق الروسي – العربي يقول بأن لا تدخل خارجيا في سوريا؟
الواضح أننا نعود اليوم إلى ما سبق أن كتبته هنا قبل أيام بأن واشنطن ترى أن بمقدور موسكو إخراج الأسد، وفق الصيغة اليمنية، خصوصا أن معلوماتي تشير إلى حديث دار بين الروس وأحد المسؤولين العرب من مدة ليست بعيدة حول سوريا، وحينها قال الروس إن الأسد ساقط لا محالة، وهم لا يكترثون بذلك، لكنهم يرفضون إسقاط النظام ككل!
هنا إذن، تقول الحكمة إنه آن الأوان للجلوس مع الروس وجها لوجه، وليس عبر البيانات، أو الاجتماعات الجماعية، فلروسيا مصالح لا بد أن تراعى، وللعرب مصالح أيضا، وأهمها وقف الجرائم المرتكبة بحق السوريين، ورحيل الأسد!
ولذا، فلا بد من الجلوس مع الروس، الآن وليس لاحقا.
الشرق الأوسط