الأبعاد الجيوسياسيّة الإقليميّة والدوليّة للأزمة السوريّة
جمال واكيم
في منتصف آذار الماضي اندلعتْ حركةُ احتجاجات في سورية مطالبةً بإسقاط النظام. وقد جاءت هذه الحركة في سياق ثورتين أطاحتا الرئيسين التونسيّ والمصريّ، تلتهما ثورةٌ في اليمن وأخرى في البحرين لا تزالان مستمرّتين، وأخرى في ليبيا أطاحت معمّر القذّافي. وبدا أنّ مصيرًا مماثلاً ينتظر النظامَ في سورية.
لا شكّ في أنّ ما أدّى إلى الثورة في سورية أسبابٌ داخليّةٌ قويّةٌ نجمتْ عن أكثر من خمسة عقود من الحكم الأوتوقراطيّ (لا أربعة عقود كما يدّعي البعض). كما نجمتْ عن تفاقم الفساد، وعن اللبرلة الاقتصاديّة التي قادتها حكومةُ رئيس الوزراء محمد ناجي العطري وكان أبرزَ مهندسيها وزيرُ الاقتصاد عبد الله الدرْدري ــ وهي سياسةٌ ضَرّتْ بالدرجة الأولى فقراءَ الريف والمدن، عمادَ النظام طوال خمسة عقودٍ متواصلة.
إلاّ أنّ للأزمة السوريّة أبعادًا أخرى، إقليميّة ودوليّة، لعبتْ دورًا مؤثّرًا في محاولة استغلال حركة الاحتجاج هذه لتحقيق أهدافٍ سياسيّةٍ واستراتيجيّةٍ في إطار صراعٍ أوسع يشمل منطقة الشرق الأوسط. وهذا هو موضوعُ الصفحات الآتية.
نطاق جيوسياسيّ مشظًّى!
عام 1918 هُزمت الدولةُ العثمانيّةُ في الحرب العالميّة الثانية، وتقاسمتْ بريطانيا وفرنسا ما تبقّى من الولايات العربيّة التابعة لتلك الدولة ــ ومن ضمنها بلادُ الشام التي تشمل الأردن وفلسطينَ ولبنانَ وسورية ومنطقةَ كيليكيا الواقعة جنوب تركيا الحاليّة. ثمّ أدّت التطوّراتُ اللاحقة إلى إلحاق كيليكيا بتركيا، وإلى إقامة أربعة أقاليم باتت لاحقًا أربعَ دول هي سورية ولبنان وفلسطين والأردن. هذا وقُدّر لفلسطين أن تشهد نشوءَ دولة إسرائيل وأن تقع تحت احتلالها.
كانت سورية هي القطرَ الأكبرَ بين هذه الأقطار، إذ إنها تحتلّ معظمَ برّ الشام. ولذا فقد ورثتْ معظم المشكلات الجيوسياسيّة التي وسمت الشامَ منذ فجر التاريخ. فمنذ الألف الثالث قبل الميلاد قُدّر للشام أن تكون عقدةَ المواصلات التجاريّة لبلادِ ما بين النهرين والأناضول ومصر، وأن تكون ساحةَ صراعٍ بين هذه النطاقات الجيوسياسيّة الثلاثة. كما أنّ البادية السوريّة، التي كانت تبلغ قلبَ سورية عند الخطّ الممتدّ بين دمشق وحمص غربًا والفرات شمالاً، كانت امتدادًا لصحراء النفوذ وهضبة نجد، وبالتالي كانت تُشْرع الشامَ أمام تأثيراتٍ قادمةٍ من الجزيرة العربيّة. هكذا أضحت المنطقةُ الشرقيّةُ من الشام امتدادًا لبلادِ ما بين النهرين، وباتت المنطقةُ الشماليّةُ تقع تحت سيطرة القوة المهيمنة على الأناضول، والمنطقةُ الجنوبيّةُ تقع تحت الهمينة المصريّة المباشرة أو غير المباشرة، مع وجود تأثيراتٍ من الجزيرة العربيّة على شكل هجراتٍ بدويّةٍ كانت تأتي من الجزيرة لتستوطن البادية السوريّة. كلّ هذا صعّب توحيدَ البلاد تحت سلطةٍ سياسيّةٍ واحدة إلاّ عندما كانت قوةٌ كبرى تسيطر على الشرق الأدنى: لذا كانت الشامُ موحّدةً أيّام الأشوريين والأمويين والعبّاسيين والأيّوبيين والمماليك والعثمانيين، ولكنّ القطر كان يتشرذم حين تتنازع الشرقَ الأوسطَ قوةٌ في الاناضول تواجه قوةً في العراق أو قوةً في مصر.1
نظام حافظ الأسد
عام 1948 أُعلن رسميًّا عن ولادة النظام الرسميّ العربيّ بعد ثلاث سنواتٍ على انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وعامٍ على الإعلان عن بدء الحرب الباردة ـ وهو نظامٌ بدأ مسيرته بهزيمةٍ أمام الصهاينة أدّت إلى إقامة دولة إسرائيل.
طوال الخمسينيّات والستينيّات كانت الحربُ الباردة تستعر في الوقت الذي كان فيه الأميركيون والسوفيات يحاولون اجتذابَ القوى الإقليميّة، وخصوصًا العراق وإيران وتركيا ومصر والسعوديّة. وكان تنافسُ هذه القوى الإقليميّة بدوره يستعر للسيطرة على سورية. وهذا ما يفسّر سلسلةَ الانقلابات التي شهدتْها البلادُ ما بين عاميْ 1949 و1970: فلقد عكستْ هذه الانقلاباتُ طبيعة الجمهوريّة العربيّة السوريّة التي أقيمت على نطاقٍ جيوسياسيّ تتنازعه قوًى إقليميّةٌ ودوليّةٌ منذ فجر التاريخ.
أدّت الانقلاباتُ إلى تعرّض المصالح الوطنيّة السوريّة للضرر، وأثّرتْ في تطوّرها الاقتصاديّ والسياسيّ. وقد انتهت هذه المرحلة بوصول حافظ الأسد إلى السلطة، إذ تمكّن من فرض الاستقرار في البلاد ثلاثة عقود متواصلة.
كانت الصيغة التي تمكّن بها حافظ الأسد من فرض سلطته تستند إلى ضبط التناقضات بين أطياف الشعب السوريّ ــ أي المجتمعات المدينيّة والطبقات الاجتماعيّة والقبائل، لا الطوائف فقط. وقد تمّ له ذلك عبر الإمساك بأجهزة الأمن، وعبر توزيع المغانم على فئات الشعب بفضل اقتصادٍ موجَّهٍ من طرف الدولة.2 كذلك استند الأسد، لاستقرار حكمه، إلى تنويع علاقاته الإقليميّة والدوليّة، بغيةَ اللعب على التناقضات بين هذه القوى. وما أفاده أيضًا هو استقرارُ الصيغة الإقليميّة بعد هزّات الستينيّات والسبعينيّات نتيجةً لتراجع حدّة الحرب الباردة.
على أعتاب النظام العالميّ الجديد
شهد العام 1991 حدثين بارزين كان لهما تأثيرٌ كبيرٌ على سورية: 1) حرب الخليج الثانية التي تلت احتلالَ العراق للكويت، وكان من نتيجتها تدميرُ قوة العراق. 2) انهيار الاتحاد السوفياتيّ وضمور نفوذ روسيا العالميّ لنحو عقدٍ من الزمن.
الحدث الأول شكّل ضربة قويّة لما كان يعتبره الأسد عمقًا استراتيجيًّا لسورية في مواجهة إسرائيل، رغم العداوة بينه وبين الرئيس العراقيّ صدّام حسين. أما الحدث الثاني فأفقد سورية حليفَها الدوليّ الأول الذي اعتمدتْ عليه قرابةَ أربعة عقودٍ لمواجهة محاولات الغرب الهيمنةَ عليها. لذا شاء الأسد أن يعتمد سياسةً تقوم على كسب الوقت إلى أن تَظهر قوةٌ أو قوًى دوليّةٌ وإقليميّةٌ يمكنه أن يفيد من العلاقة معها لموازنة القوة الأميركيّة في الشرق الأوسط. ولهذا السبب تجنّب الأسد المواجهةَ مع الولايات المتحدة وحلفائها العرب، وسارع إلى الانضواء في التحالف الأميركيّ الذي شنّ الحربَ على العراق. كما ارتضى المشاركة في مؤتمر السلام في الشرق الأوسط الذي افتُتح في مدريد أواخر العام 1991، على الرغم من أنّ المؤتمر عُقد خلافًا للشروط السوريّة (وعلى رأسها مؤتمرٌ دوليّ برعاية الأمم المتحدة، مع اعتماد وفد عربيّ موحّد).
أثمرتْ سياسةُ كسب الوقت هذه نجاحًا نسبيًّا لسورية. فعلى الرغم من تراجع نفوذها الإقليميّ عقب التوقيع على اتفاقيّة أوسلو بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة وإسرائيل، والتي تلتها اتفاقيّةُ وادي عربة بين الأردن وإسرائيل؛ وعلى الرغم أيضًا من تطبيع عدد من الدول العربيّة لعلاقاتها بتل أبيب؛ فقد تمكّنتْ سورية في ذلك الوقت من تفادي التوقيع على اتفاق سلامٍ مع إسرائيل يخالف مفاهيمَها للأمن القوميّ. كما ظهرتْ خلال تلك الفترة أدوارُ عددٍ من القوى الإقليميّة والعالميّة، كفرنسا والصين وتركيا وإيران، إضافةً إلى استعادة روسيا أنفاسَها. وكلُّ ذلك مكّن الأسد من الحدّ من الضغوط الأميركيّة عليه.
بشّار حافظ الأسد
في حزيران 2000 توفّي حافظ الأسد ليخلفه ابنُه بشّار في سدّة الرئاسة. وكان الأب قد بدأ في إعداد ابنه باسل منذ مرحلةٍ مبكّرةٍ للاطّلاع على مختلف تفاصيل الحكم. لكنّ باسلاً قُتل في حادث سيّارة في بداية العام 1994، فوقع الاختيارُ على بشّار ليَخْلفه، وجرى إعدادُه في مدّةٍ لا تتجاوز ستّ سنوات، ما جعله غيرَ مطّلعٍ بطبيعة الحال على الكثير من التفاصيل.
كان على بشّار الأسد عند تسلّمه الحكمَ أن يواجه جملةَ تحدّيات، أبرزُها تجاوزُ نفوذ الحرس القديم في النظام. وقد تمّ له ذلك عام 2005 عبر إزاحة الرجل الثاني في نظام أبيه، عبد الحليم خدّام، ورجلِ الاستخبارات القويِّ النفوذ في لبنان، غازي كنعان، الذي قيل إنّه انتحر بعدما كُشف مخطّطُه للاستيلاء على الحكم في سورية.
أما التحدّي الثاني فتمثّل في التحوّلات الدوليّة والإقليميّة التي كانت تعني سوريةَ بشكل مباشر. فمع حلول العام 2000 ووصول جورج بوش الابن إلى السلطة في الولايات المتحدة، بدأ الأميركيون في تنفيذ مخطّطهم الرامي إلى إعادة تنظيم العالم بما يضمن تفوّقَهم على باقي القوى المنافسة. ووفقًا لزبغنيو بريجنسكي، فإنّ على الولايات المتحدة السيطرةَ على الشرق الأوسط، الممتدِّ من شواطئ الأطلسي في الغرب إلى حدود الصين في الشرق، لأنّ ذلك سيتيح لها إقامةَ منطقةٍ عازلةٍ بين أوروبا وإفريقيا، ودقَّ إسفينٍ (انطلاقًا من البلقان) بين أوروبا وروسيا، ومنْعَ روسيا والصين من بلوغ البحر المتوسّط أو المحيط الهنديّ.3 ولقد شكّلتْ مرحلةُ جورج بوش محاولةَ الولايات المتحدة تنفيذَ مخطّطها هذا عبر اجتياح أفغانستان، فالعراق، بذريعتيْ محاربة “تنظيم القاعدة” وتدميرِ أسلحة الدمار الشامل المزعومة لصدّام حسين.
أدّى تصاعدُ مقاومة الاحتلال الأميركيّ في أفغانستان والعراق إلى عدم استتباب الأمر للأميركيين هناك. كانت واشنطن تعرف أنّ إيران وسوريا تدعمان المقاومتيْن، وكانت تأمل أن يتغيّر الوضعُ بما يدعم النفوذَ الأميركيَّ في المنطقة. وكان قلبُ النظام في إيران أحدَ أهداف الإدارة الأميركيّة. أما بالنسبة إلى سورية فكان من أهداف الإستراتيجيّة الأميركيّة فكُّ ارتباطها بإيران، وإلحاقُها بتركيا والسعوديّة كمقدّمةٍ لإنهاء البعث وبشّار وتسليم الحكم إلى الإخوان المسلمين ليعيدوا رسمَ التوجّهات السوريّة بما يتوافق والتوجّهاتِ الأميركيّة في المنطقة.
ذلكم هو السبب الذي دفع بالأميركيين إلى قيادة حملةٍ دوليّةٍ على سورية عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 وانسحاب الجيش السوريّ من لبنان. لقد كان الرهانُ، كما أعلن الرئيس جاك شيراك، هو أن يسقط النظامُ في سورية من تلقاء نفسه بعد الانسحاب من لبنان.4 لكنّ النظام صمد، الأمرُ الذي حتّم على الأميركيين تغييرَ مقاربتهم، معتبرين أنّ ضربَهم للمقاومة في لبنان سيمكّنهم من إفقاد سورية حليفًا قويًّا، فتزداد عزلةُ الأسد. إلا أنّ هذا الرهان فشل هو أيضًا بعد انتصار المقاومة في حرب تمّوز 2006.
سورية والربيع العربيّ
مع نهاية ولاية بوش الابن عام 2008، كانت الولايات المتحدة قد غاصت في حروبها في العراق وأفغانستان واستنزفت اقتصادَها. وكانت الآمالُ المعقودةُ على استثمار العراق ونفطِه قد خابت، فتفجّرتْ أزمةٌ اقتصاديّةٌ بدأتْ أميركيّةً ثم طالت عددًا كبيرًا من الاقتصادات العالميّة. هذا الأمر دفع الولايات المتحدة إلى أن تعي خطورةَ المرحلة التي وصلتْ إليها من التمدّد الزائد والمكلف الذي تحدّث عنه المؤرِّخ بول كنيدي.5 ولهذا السبب بات الحلمُ بالسيطرة على الشرق الأوسط الأكبر دونه صعوباتٌ. ومن ثمّ بات على الولايات المتحدة أن تنسحب من بعض مناطق الاشتباك، على أن تحافظ على هدفها الإستراتيجيّ الأول، ألا وهو: منعُ القوى البرّيّة الصينيّة والروسيّة من الوصول إلى البحر المتوسّط والمحيطات.6 وكانت إيران قد باتت نقطةَ تقاطع روسيّ ـ صينيّ لتحقيق اختراقٍ في الشرق الأوسط الأميركيّ في ظلّ عجز السعوديّة ومصر عن تشكيل ائتلافٍ يقف في وجه تمدّدها على ضفاف شرق المتوسّط والبحر الأحمر عبر علاقاتها بسورية وحزب الله وحماس وحوثيّي اليمن. وكان على الولايات المتحدة اعتمادُ حليفٍ يمسك بالشرق الأوسط لصالحها، فاستغلّتْ علاقتها الطيّبة بالجماعات الإسلاميّة منذ الخمسينيّات. وكان يمكن وفقًا للحسابات الأميركية أن يحتوي الإسلامُ السنّيُّ إسلامَ إيران الشيعيَّ، وأن يشكّل تسليمُ الحكم في الدول العربيّة وتركيا إلى الإسلاميين سدًّا منيعًا في وجه إيران، ومن ثم في وجه وصول الصين وروسيا إلى المتوسّط والمحيط الهنديّ، ووصولِ أوروبا إلى قلب إفريقيا. وكان الدور المرسوم لتركيا في ظلّ حزب العدالة والتنمية هو أن تقود العالمَ العربيَّ ضمن هذا التوجّه، فتتّحد ثلاثُ عواصم سنّيّة (أنقرة والرياض والقاهرة) في مثلّثٍ يمنع الاختراقَ الإيرانيَّ في اتجاه المتوسّط. وكان حزب العدالة والتنمية ينسجم مع هذه التوجّهات التي عبّر عنها وزيرُ الخارجية أحمد داود أوغلو في كتابه العمق الإستراتيجيّ.7 وفي هذا الإطار كان الربيعُ العربيّ في تونس ومصر وليبيا واليمن، في جزءٍ منه، عمليّةَ نقلٍ للسلطة إلى قوةٍ جديدةٍ، هي الإخوانُ المسلمون، يمكن أن تؤدّي الدورَ المطلوبَ منها في ضبط المنطقة لصالح الأميركيين في مواجهة أوروبا وروسيا والصين.
في سورية كانت الاحتجاجاتُ التي اندلعتْ ناجمةً عن عوامل داخليّة كثيرة، أهمُّها ترهّلُ بنية السلطة بعد أكثر من خمسين عامًا من حكم المخابرات (حتى قبل أن يتسلّم حافظ الأسد السلطة) إضافةً إلى حركة اللبرلة السريعة للاقتصاد بعد عام 2005 على ما ذكرنا سابقًا. إلا أنّ الجانب الإقليميّ والدوليّ من الأزمة لا يقلّ عن حجم الأزمة الداخليّة. ففي حزيران 2004 تبيّن أنّ شيراك تخلّى عن سياسة ديغول القائمة على استقلاليّة القرار الفرنسيّ في السياسة الخارجيّة، وكان على فرنسا أن تنضوي تحت جناح السياسة الأميركيّة وأن تلعب دورًا مساندًا لها في الشرق الأوسط.8 وكان التصوّر الفرنسيّ – الأميركيّ يقوم على قلب النظام السوريّ لأنه يشكّل اختراقًا للمثلّث السنّيّ الذي يجب أن يقف في وجه التمدّد الإيرانيّ ومن خلفه التمدّد الصينيّ والروسيّ.9
الخلاصة
للأزمة التي تعصف بسورية منذ آذار 2011 أسبابُها الداخليّة القويّة. فلقد بات النظامُ عاجزًا عن أن يحكم بالصيغة التي حكم بها طوال عقود، وكان لزامًا عليه القيامُ بعملية إصلاحٍ عميقةٍ لبنى مؤسّسات الدولة، وفتحُ الحياة السياسيّة أمام المشاركة الشعبيّة، والحدُّ من تراجع الأوضاع المعيشيّة نتيجةً لسياسات اللبرلة الاقتصاديّة المعتمدة. وترافقت الأزمةُ الداخليّة مع تحوّلاتٍ في السياسة الدوليّة كانت ساحتها الرئيسة هي الساحة العربيّة بشكلٍ عامّ، وسورية بشكلٍ خاصّ. بل إنّ الأزمة الداخليّة عزّزتْ من فرص “التدخّل” الخارجيّ في الأزمة السوريّة بسبب عدم امتلاك النظام السوريّ لديناميّة الفعل والمواجهة. ويعود ذلك إلى غياب مشروعٍ مستقلّ تحمله الدولُ العربيّة. فما نراه قائمًا على الساحة العربيّة إنما هو مشاريعُ إيرانيّة وصينيّة وروسيّة، في مواجهة مشاريع أميركيّة وأوروبيّة وتركيّة.
ستبقى الأزمة والانقسامُ والتبعيّةُ لهذه المشاريع الدوليّة تعمّ الدولَ العربيّة إلى حين استعادة مشروع مستقلّ عن مشاريع القوى التي ذكرناها سابقا ويحفظ مصالحها.
بيروت
*أستاذ العلاقات الدوليّة ورئيس قسم الإعلام في الجامعة اللبنانيّة الدوليّة. صدر له: سورية ومفاوضات السلام في الشرق الأوسط، وصراع القوى الكبرى على سوريا – الأبعاد الجيوسياسيّة لأزمة العام 2011 (والكتابان صادران في بيروت عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر).
1 جمال واكيم، صراع القوى الكبرى على سوريا-الأبعاد الجيوسياسيّة لأزمة عام 2011 (بيروت: دار المطبوعات للتوزيع والنشر، 2011).
2 راجع Volker Perthes, The Political Economy of Syria Under Assad (London: IB. Tauris, 1993)
3 راجع زبغنيو بريجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى، ترجمة أمل الشرقي (عمان: الأهليّة للنشر، 1991).
4 راجع: Vincent Nouzille, Dans les secrets des Presidents (Paris: Fayard, 2010)
5 راجع Paul Kennedy, The Rise and Fall of Great Powers (London: Vintage, 1989)
6 راجع Nicholas Spykman, America’s Strategy in World Politics: The United States and the Balance of Power (NY: Transaction Publishers, 2007)
7 راجع أحمد داود أوغلو، العمق الإستراتيجيّ- موقع تركيا ودورها في الساحة الدوليّة، ترجمة محمد ثلجي وطارق عبد الجليل (بيروت: الدار العربيّة للعلوم ناشرون، 2010 ).
8 راجع ريشار لابيفيير، التحول الكبير (بيروت: دار الفارابي، 2008).
9 راجع فنسان نوزي، مرجع سابق.
الآداب