الأب باولو: زياد ماجد
إختفى الأب الإيطالي (والسوري) باولو دلوليو في مدينة الرقة المحرّرة قبل أسبوع. الأب باولو لمن لا يعرفه يسوعي عاش في سوريا ثلاثين عاماً، واقترن اسمه باسم دير مار موسى السرياني حيث أقام وأعاد بناء الصرح وحوّله ملتقىً حوارياً وموقعاً للأنشطة الثقافية والفنية والدينية.
مع انطلاق الثورة السورية، ساندها الأب باولو ودافع عنها من داخل سوريا وزار أكثر من مدينة وبلدة داعياً الى نبذ الطائفية والتمسّك بكرامة الانسان وحقوقه وانتقد التضليل الإعلامي، بما فيه الذي تمارسه وسائل إعلام كاثوليكية، بهدف وصم الثورة بالإرهاب. فطلب منه النظام الأسدي مغادرة البلاد أواخر العام 2011، ما اضطرّه الى الرحيل بعد أشهر. من يومها تحوّل باولو الى سفير للثورة السورية يجادل ويحاجج دفاعاً عنها، ويكافح في الأوساط الكنسية والمسيحية الأوروبية ضد مقولة تفضيل بشار الأسد على المعارضات السورية لحمايته “الأقليات”.
أكثر من ذلك، عرّض باولو نفسه لضغوط كنسية واجتماعية وسياسية كبيرة نتيجة مطالبته العلنية الدول الأوروبية والمجتمع الدولي بتسليح الثوار السوريّين ومدّهم بصواريخ مضادة للطائرات. وقال إنه يفعل ذلك رغم إيمانه المسيحي ورغم بغضه للعنف إنطلاقاً من احترام حق السوريين بالدفاع عن أنفسهم في وجه آلة القتل التي تطحنهم، والتي لم يقابلها دولياً سوى الصمت المريب.
وأصدر باولو دلوليو منذ فترة كتاباً بعنوان “الغضب والنور” عن علاقته بالثورة وعن تجربته في سوريا وعن أسباب معارضته لنظام الأسد. وسبق له وأصدر كتاباً عنوانه “محبٌّ للإسلام، مؤمن بيسوع” وفيه محاولة لإيجاد فسحة “تفاهم مسيحي إسلامي” تقوم على قراءة فهم المسيحية إسلامياً وفهم الدعوة المحمّدية ومعنى النبوّة مسيحياً.
منذ أشهر، يزور الأب باولو الشمال السوري المحرّر دورياً، ويلتقي هيئات محلية وقادة كتائب عسكرية ويجري حوارات معهم حول مستقبل سوريا وحول المسألة الطائفية والقضايا الوطنية. ويكتب بالعربية بعضاً من يوميّاته. في 27 تموز الفائت، كتب الأب اليسوعي نصاً قصيراً عبّر فيه عن غبطته لزيارة الرقة ولقاء أهلها، وشارك بمظاهرة نصرةً لحمص المحاصرة وللغوطة الشرقية. ثم عقد مجموعة لقاءات في 28 تموز أراد تتويجها على ما يبدو باجتماع في اليوم التالي مع مسؤولي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المتمركزين في المدينة ومحيطها. ومنذ ذلك اليوم، انقطعت أخباره، وتكاثرت الشائعات حول مصيره من دون تأكيد واحد يطمئن أهله وصحبه ومحبّيه، السوريّين منهم بخاصة.
الأب باولو مختفٍ إذاً، ويرجِح كثرٌ من الناشطين في الرقة ومنطقتها أنه مخطوف أو مُحتجز لدى الجهة التي أراد التواصل معها، أي “الدولة الإسلامية”. فللجهة المذكورة باعٌ في الخطف والاحتجاز، وثمة اعتصامات وتحرّكات وبيانات تندّد منذ فترة بممارساتها (إذ هي متّهمة باعتقال أحمد وفراس الحاج صالح وعبد الله الخليل وابراهيم الغازي ووائل الحمدو وجميعهم من المعارضين المعروفين لنظام الأسد والمشاركين في الثورة ضدّه). لكن لا شيء يؤكّد ذلك حتى الساعة.
المهم أن الرجل مفقود وأن شائعة احتجازه إن صحّت تعني أن ما تعرّض له جريمة لا تقلّ وضاعة عن جرائم الخطف والاعتقال التي يرتكبها النظام الأسدي، والتي علا صوت باولو من اليوم الأول تنديداً بها. وهي جريمة “تراجيدية” تخدم النظام مؤكّدة ما يذهب إليه من “حرب مع إرهابيّين معادين للأقليّات”، وتستهدف رجلاً كرّس وقته في الآونة الأخيرة لدحض تهمة الإرهاب عمّن قد يكونوا وراء اختفائه أو عن الذين يدافعون عن مبدأ إيذائه! والمهمّ أيضاً أن لا يطول الوقت (والصمت) قبل أن يعرف ذوو باولو ورفاقه بما حصل ويحصل معه، وقبل أن يستعيد الرجل حرّيته ويعود إليهم والى ونشاطه.
موقع لبنان ناو