الأحزاب الكردية في سوريا و الحوار مع النظام
*محمد محمود بشار
إن ثورات الشعوب في منطقة الشرق الاوسط في وقتنا الراهن، هي أكثر أهمية من ثورات التحرر القومي التي اجتاحت العالم في بدايات و منتصف القرن المنصرم، حيث حققت هذه الثورات و مازالت تحقق تغييراً جذرياً بكل ماتعنيه كلمة (التغيير الجذري) من معنى.
والتغيير في هذه الثورات، لايشمل الانظمة الدكتاتورية الحاكمة فقط ، وإنما تشمل أيضاً عقلية النضال، و المفاهيم المتعلقة بالنشاط السياسي و الحراك الجماهيري المعارض، و السعي من أجل الحرية و كيفية تحقيق العيش السلمي المشترك بين كافة المكونات القومية، و الدينية، و المذهبية، في داخل الوطن الواحد.
إن مانشهده اليوم في سوريا، هو امتداد لشرارة نيران الحرية التي اشعلها البوعزيزي في تونس، حيث اثبت الشعب في سوريا للعالم أجمع، مدى تعطشه للحرية، و اظهر قوة و ارادة لامثيل لها في سبيل تحقيق التغيير الجذري في سوريا.
ومما لاشك فيه، بإن الشعب الكردي في سوريا هو حزء اساس من مكونات المجتمع السوري، حيث شارك الكرد و مازالوا يشاركون في أي حراك يسعى إلى تحقيق الحرية، و الديمقراطية في سوريا بشكل عام.
وحتى أن النشطاء الكرد في أغلب الاحيان كانوا يستلمون زمام المبادرة في الحراك السياسي الديمقراطي المعارض، وقد انتفض الشعب الكردي لوحده في سوريا عام 2004 ضد الظلم و الطغيان، و قدم آنذاك كوكبة من الشهداء، ليمهد بذلك لانتفاضة جماهيرية اقوى و اوسع، و هو مانشهده اليوم، حيث المظاهرات المطالبة بالحرية و اسقاط النظام في كافة أنحاء سوريا.
ورضوخاً لهذا الضغط الجماهيري المتنامي يوماً بعد يوم، فقد لجأ النظام في سوريا إلى اساليب جديدة، من خلال القيام بخطوات و اتخاذ بعض القرارات التكتيكية، لدرء خطر الثورة عن نفسه. و آخر قراراته التكتيكية، هي: تأسيس لجنة للحوار الوطني، و دعوة الاحزاب الكردية للقاء الاسد في عرينه بدمشق، لإجراء أول حوار من نوعه بين رأس النظام و قادة الاحزاب الكردية.
وقد كان لهذه الدعوة، الأثر الكبير في نفوس قادة أحزابنا الكردية، الذين طرحوا قبل عدة ايام مبادرة قائمة على اساس الحوار بين جميع الاطراف و السلطة.
و كما هو واضح فإن قرارات النظام في هذه الفترة، هي قرارات تكتيكية، و ليست استراتيجية. فما حققته الثورة الشورية في اقل من شهرين و نصف، لم يحققه النضال السياسي المعارض لعدة عقود، حيث تم رفع قانون الطوارئ بمرسوم رئاسي، و بمرسوم آخر تم الأمر بإعادة الجنسية إلى الكرد المجردين من الجنسية، كما تم إصدار عفو رئاسي عام شمل الاخوان المسلمين، و غير ذلك من القرارات و المراسيم التي لولا اندلاع هذه الثورة، لما حلم بها المواطن السوري، و التي صدرت اغلبها في أيام الخميس من كل اسبوع، إلا ان الجمعة التي تلت كل خميس حافل بالقرارات و المراسيم الرئاسية، كانت حافلة بالمظاهرات المطالبة باسقاط النظام.
إن الاحزاب الكردية، التي طرحت المبادرة و تلقت بالتالي الدعوة للحوار مع الاسد، قد وقعت الآن بين نارين: فإن قبلت الدعوة, و التقت بالاسد في عرينه بدمشق، ستفقد مصداقيتها بين الجماهير الكردية، ولن يعود لها اي موطأ قدم على الارض السورية بشكل عام و في المناطق ذات الاغلبية الكردية بشكل خاص.
وإن رفضت الدعوة، ستصطدم بنص المبادرة التي طرحتها، تلك المبادرة القائمة أساساً على الحوار مع السلطة، وبذلك تكون الاحزاب قد أفرغت مضمون مبادرتها بيدها…
و في الحالتين، ستفقد تلك الاحزاب ماتبقى من مصداقيتها، لذلك عليها ان تتدارك الأمر، بطريقة نضالية جديدة، تنقذ نفسها مما هي فيه الآن.
و الطريقة المثلى لتدارك هذا الأمر: هي أن يقدم قادة الاحزاب الكردية استقالاتهم بشكل جماعي، وذلك ليفسحوا المجال أمام الجيل الشاب ليستلم دفة القيادة، و ليقودوا بالتالي احزابهم قادة و قواعداً إلى ساحات الحرية للمشاركة بالمظاهرات.
وإن تقديم الاستقالات الجماعية من قبل قادة الاحزاب في المكاتب السياسية و اللجان المركزية، أمر غير كاف للحفاظ على الارث النضالي للحركة السياسية الكردية، التي قدمت العديد من التضحيات و المناضلين الذين قضوا سنوات طويلة من حياتهم في غياهب السجون. حيث يجب عليهم بعد الاستقالة، التوجه الى ساحات المظاهرات و الانضمام الى شباب الثورة، حيث سيكونون آنذاك خير دعم و سند لإنجاح الثورة، وبأقل الخسائر باقصر فترة زمنية ممكنة، و ذلك نظراً لخبرتهم التنطيمية في المواقع القيادية و لعقود من الزمن، و لتجربتهم الطويلة في التعامل مع الاجهزة الأمنية – طبعاً بحسن نية – حيث باتوا الآن خبراء أكثر من غيرهم، في معرفة مراكز قوة النظام السوري و نقاط ضعفه.
*wergerandin1@hotmail.com