الأحمق في سورية/ زهير قصيباتي
أما وقد نطق أحد الديبلوماسيين بما يطمحون إليه في سورية، بات ممكناً اليوم الجزم بما كان ترجيحاً حول فِعلة الغرب، وأميركا خصوصاً، منذ ما قبل «صفقة» تدمير السلاح الكيماوي. وبعودة بسيطة إلى دفاتر الأيام السود التي يكابدها شعب النكبة الثانية (الأولى فلسطينية)، يمكن لمن يدّعي فقدان الذاكرة في العالم مراجعة تبدّل أولويات الغرب الذي أدى دوراً فاشلاً في خديعة دعم المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد.
«الكيماوي» انتزع الأولوية لخطره الإقليمي (على إسرائيل) ولا بأس في استمرار القتل واصطياد البشر، في سباق تبديل موازين القوى. ثم باتت الأولوية التبصّر في كيفية تفادي نفخ عضلات التنظيمات القريبة من فكر «القاعدة» وممارساتها… ولا بأس ايضاً في استمرار القتل. أولوية التبصّر احتلت صدارة الهواجس، توقفت مساعدات الغرب لـ «الجيش الحر»، والسبب سيطرة «الجبهة الإسلامية» على مواقعه القريبة من الحدود السورية- التركية.
لم تمضِ أيام على تعليق المساعدات «غير الفتاكة» فيما البراميل المتفجرة تفتك بمئات من السوريين، حتى طلع وزير الخارجية الأميركي جون كيري بفكرة عدم استبعاد «الجبهة» من قنوات اتصال أميركية.
والحال أن ما ترتكبه واشنطن والغرب عموماً في حق السوريين والدول المتاخمة لأتون الحرب في سورية، لا يجد سوى واحدٍ من تفسيرين: إما استغباء الضحايا ومعهم كل أهل المنطقة، بأولويتي الأسلحة المحظورة ومواجهة خطر استنساخ عشرات من «القاعدة»… وإما أن يكون الغباء في جذر هذه الديبلوماسية التي تدعي الحكمة في واشنطن وسواها من عواصم الغرب.
عودة بالذاكرة مرة أخرى الى العراق، حيث أعلن الأميركيون الانتصار على «القاعدة»، ليبرروا انسحابهم الآمن. إنها «حكمة» من ادعى الانتصار على دعاة الحرب، لكن الشهور القليلة الماضية كافية لإظهار ثمن الغباء الذي تمكّن من ملء فراغ مخيف في مقعد الزعامة العالمية. هكذا تمكنوا ايضاً من سحق «طالبان» بعد أكثر من عقد من الحروب، فباتت تهددهم في قلب كابول، وتمكنوا من نزع أسنان دمشق الكيماوية لكي لا تعضّ طمأنينة إسرائيل، ولكن بأي ثمن؟
إنه الغبي الذي باع محنة الشعب السوري المنكوب بين الاستبداديين والأغبياء… الثمن بقاء الأسد رئيساً ولو بصلاحيات أقل، وبلا «توازن ردع» مع إسرائيل.
«إذا رفضت المعارضة مثل هذا الاتفاق، ستفقد (تأييد) معظم الدول الغربية، ولن تبقى في صفها سوى السعودية وتركيا وليبيا». هكذا، وبكل بساطة، يلخص الديبلوماسي حقيقة ما تفاهمَ عليه الروس والأميركيون، فأطلق يد النظام السوري في سحق ما تبقى من قدرة «الجيش الحر» وأنصاره، تمهيداً لمؤتمر «جنيف2». هناك مَنْ سيفاوض إذاً؟
لدى الغبي المرتعش، المرتعب من «وحش جبهة النصرة» وأخوات «القاعدة»، قد يجوز التسليم بحرية الأسد في الترشح للرئاسة مجدداً، العام المقبل، ولا شيء يحول دون تفويض نظامه شرعية متجددة، خصوصاً لخوض «الحرب الكونية للإرهاب». أي مصير إذاً للثورة السورية، ولماذا ضحى السوريون بأكثر من 126 ألف قتيل، وشُرِّدوا بين قوارب الموت ومخيمات البؤس ومجازر البراميل السود؟ في المحصلة، ما الذي سيجنيه الأحمق في الغرب، إذا استُثنِي أمن إسرائيل، وهي مازالت تفضّل بقاء الأسد؟
لعل السفير الأميركي روبرت فورد صُدِم برفض «الجبهة الإسلامية» (تكتل من سبعة فصائل مسلحة) مشاورات مع واشنطن التي ستخمّن بحكمتها أن هذه المقاطعة ردّ على تركها «الجيش الحر» والمعارضين المسلحين بين عدوّين لهم: النظام و «القاعدة»… وأنها جزء من رد فعل إقليمي بعدما طفح الكيل من وعود حمقى، تستنفر النظام دائماً، ولا تقوّي المعارضة، ولا تغلّب سوى مشهد «جهاد قطع الرؤوس».
ولطالما سواد النفق يزداد حِلْكة، لماذا لا نسأل عن مصالح الأمن القومي لغبي، كلما ادعى انتصاراً على أرباب الكهوف وأَكَلَة الأكباد، كلّما دفَّعَنا الثمن بنكبة جديدة. أهي واحدة أم اندثار أمم بالجملة، بدليل بدايات من المشرق الى المغرب، من محطات تفتيت العراق بعد «مذهبة» الدولة، و «الجهاد» ضد الجنازات والأكفان، وأفغنة ليبيا، وعرقنة لبنان بالانتحاريين الأشباح، وصوملة سورية، وخطف مصر بين ثورة وثورة.
في الغرب أحمق يظن أنه يستغل كوارث حمقى، وحروباً ليغيّر خرائط، ويحصد ثروات مجانية.
الحياة