الأردن والأزمة السورية/ محمد أبو رمان
بقدر ما يبدو إسناد مهمة “تصنيف” الجماعات المقاتلة في المعارضة السورية للأردن بمثابة اعتراف دولي وإقليمي بكفاءة الأجهزة الأمنية الأردنية، وفقاً لفهم كبار المسؤولين في عمّان، بقدر ما أنّ هذه المهمة على درجة كبيرة من التعقيد والحساسية، وهي بمثابة “حقل ألغام” يتوجب على المسؤول الأردني أن يسير عليه بحذر.
يجيب مسؤولون رفيعو المستوى على المخاوف بشأن حساسيات المهمة الجديدة بأنّ الأردن لن يقوم وحيداً بتسمية الجماعات وتصنيفها، فهو سيقود جهوداً لتنسيق الرؤية الدولية والإقليمية، ولن يتورط في نتائج تضعه في أزمة مع حلفائه التقليديين، بخاصة المملكة العربية السعودية التي تسابق الوقت، بدورها، عبر محاولات توحيد المعارضة السورية وتأهيلها لأي استحقاقات ممكنة لعبور الحل السياسي والدبلوماسي الممكن.
يبدو “داعش” التنظيم الوحيد الذي يحظى بتوافق دولي وإقليمي على تعريفه بالإرهاب، بينما يبدو تعريف جبهة النصرة واقعياً أكثر تعقيداً منه على الورق، إذ إنّ الجبهة، بوصفها جزءاً من القاعدة، تعتبر، وفق الأطراف الدولية والإقليمية، تنظيماً إرهابياً، لكن الجبهة هي، في المقابل، جزء من شبكة تحالفاتٍ عريضة وعميقة في المجتمع السوري، ومع الفصائل المعارضة الأخرى، ما يجعل جزءاً مهماً من عملية تعريف “النصرة” أمراً ملتبساً، مثلما هي عملية تصنيف “جيش الفتح” الذي يتشكل، بدرجة أساسية، من “النصرة” وحركة أحرار الشام.
وحركة أحرار الشام ملف إشكالي، أيضاً، فهي في تصنيف المؤسسة الأمنية الأردنية وتعريفها بمثابة حركة إرهابية، أو “شبه إرهابية”، وحليف لجبهة النصرة، لكنّ الحركة قدّمت، عبر أحد أبرز قيادييها، لبيب النحاس، أخيراً، رسائل مهمة إيجابية، وتمت إعادة هيكلة القيادة والتخلص من الجناح المتشدد، ما يحدّ من الدعاوى التي تدفع إلى أنّ الحركة إرهابية وملتبسة الهوية. فكيف سيتعامل الأردن مع هذه التطورات والخلافات الجوهرية بين كل من الروس والنظام السوري والإيرانيين من جهة، والأتراك والقطريين والسعوديين وربما معهم أوروبيون من جهة أخرى؟
والحال كذلك، يمكن النظر إلى عشرات المنظمات السورية المقاتلة بأنّها تقع في “المنطقة الرمادية”، وستكون محلاّ للإشكاليات والخلافات بين الأطراف الدولية والإقليمية، مثلما هي الحال مع الحركات الإسلامية في ريف حلب، وبعض الفصائل في الجنوب، وريف دمشق، فالوصول إلى تعريف واضح توافقي بين الروس والأميركيين والعرب والأتراك على هذا التصنيف ليس مهمة سهلة، بل هي المهمة الشائكة.
يبقى السؤال؛ طالما أنّها قصة معقدة، فلماذا قبل بها الأردن؟ الجواب يتمثل بالعمل على تسجيل نقاطٍ عديدة. الأولى أن المسؤولين الأردنيين ينظرون إلى ترشيح روسيا بلدهم، وقبول الأطراف الأخرى بذلك، هو بمثابة اعتراف بدور أردني أساسي في الملف السوري، بعد بروز مخاوف أردنية بتحجيم هذا الدور، بعد التدخل الروسي. والثانية أنّ هنالك علاقة شخصية جيدة بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والملك عبدالله الثاني الذي يسعى إلى تقوية هذه العلاقة وتعزيزها، ولعب دور وسيط بين الروس والآخرين في الملف السوري.
لكن “القطبة المخفية” – في الموافقة الأردنية على هذا الدور- تتمثّل بأنّ الترشيح الروسي والقبول الدولي بذلك ينقل الأردن من حيّز الاتهام من النظام السوري وحلفائه الإيرانيين، بدعوى دعمه المعارضة المسلحة وجبهة النصرة، إلى حيّز آخر تماماً، ودور جديد، وهو الذي يفضله الملك، ويسعى إليه، دور “الوسيط المحايد”، أي عملية إعادة تموضع للموقف السياسي الأردني، من طرف خصم للنظام السوري إلى طرف محايد ووسيط.
لذلك، وإن لم تكن الأخبار مؤكدة عن زيارة رجل الأمن السوري القوي، علي مملوك، أخيراً، إلى عمان، فهي، في المقابل، ليست مستبعدة، في ضوء التقارب الأردني- الروسي، والعمل على إعادة التموضع التي شملت اتفاقاً آخر حول المنطقة الجنوبية في سورية، تعهد فيه الأردن للروس بإيقاف عمل غرفة العمليات لدعم الجبهة الجنوبية عسكرياً، وتعهد الروس بمنع أي عملية عسكرية جديدة في الجنوب، أي باختصار حفظ “الوضع القائم” مؤقتاً.
العربي الجديد