الأردن والرياح السورية/ أمجد ناصر
بعد ثلاث سنين من الثورة السورية لم تتحقق، بعدُ، النبوءات الكارثية على جوارها.. أو في الأقل بعض جوارها. الأثر الأوضح لتداعيات ما يجري في سورية يمكن لمسه في لبنان، البلد المتداخل بسورية على غير صعيد، لكنَّ وضعه لم يصر، بمعجزةٍ فعليةٍ، كارثياً. فقياساً إلى تاريخ الحروب والتوترات في لبنان، كانت أسباب أوهى بكثير، مما يجري في سورية الآن، تشعل حرباً يصعب إطفاء أُوارها سنين عددا.
لا يمرّ يوم، طبعاً، من دون أن تطال شظايا الحرب في سورية جوارها، ومن ذلك ما حدث، أول من أمس، عندما اجتازت الحدود السورية – الأردنية ثلاث آليات عسكرية “مجهولة” الهوية، تعامل معها الجانب الأردني “وفق قواعد الاشتباك” الخاصة بوضع كهذا، حسب تصريح مصدر عسكري أردني.
وبصرف النظر عن هوية تلك الآليات العسكرية، فقد ذكَّرت المهتمين بالشأن السوري بسعي النظام في دمشق إلى نشر لهيب حربه خارج الحدود. لكن، لسببٍ ما، لم ينتشر هذا اللهيب، على نطاق واسع، خارج الجغرافيا السورية. فبعد ثلاث سنين من الإجرام المنهجي الذي يمارسه نظام بشار الأسد ضد شعبه، وفق أعلى المعايير الدولية، وبعد فتح التراب الوطني السوري لكل أنواع الإرهاب عابر الحدود، لم تنهر الحدود المجاورة تحت وقع المأساة السورية، ولم تعم الفوضى الأمنية في الجوار، باستثناء لبنان والعراق اللذين كانت حدودهما مستباحة من قبل، وفيهما جزر أمنية.
هذه “المنعة”، التي تعرفها بعض حدود الجوار السوري، تعزِّز الانطباع بأنَّ العالم لا يفعل شيئاً حيال المأساة السورية سوى “احتوائها”. إبقاء ما يجري في سوريا داخل سوريا قدر الإمكان.
***
لم تؤثر المأساة السورية على جوارها؟
بالطبع أثَّرت. وستؤثر لأمد طويل.
فكيف يمكن أن لا تفعل وسورية تتداخل، أكثر من أي بلد آخر في منطقتنا، بجوارها.
سورية هي واسطة عقد المنطقة، إن فرطت يفرط، لا ريب، جوارها.
ليس هناك بلد آخر متداخل، في جواره، جغرافيا وبشريا مثل سورية. هذا هو مكر جغرافيا “سايكس بيكو”، وهذه هي لعنتها.
للحرب في سورية آثار يصعب تبيّنها الآن على الجوار. لكن رأس قمة جبل الجليد السوري هم اللاجئون الذين تجاوزوا ثلاثة ملايين في لبنان والأردن وحدهما. فبوسع الأردنيين أن يؤلفوا ملحمة عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي لنحو مليون ونصف مليون لاجىء سوري، في بلد مصنَّف بين أفقر عشر دول في العالم للمياه. وبوسع الأتراك أن يتحدثوا عن تحول “ورقة” اللاجئين إلى سلاح بيد المعارضة، أما اللبنانيون والعراقيون، فينفردون بتأثير المأساة السورية على التركيبة السكانية في البلدين، في إطار ما يوصف بأنه صراع سني – شيعي في المنطقة.
***
لا يفاجئني “تماسك” الوضع الأردني في وجه الرياح السورية الساخنة، فهو يتميز عن لبنان والعراق بما يمكن تسميته بـ “الصفاء الطائفي”، إذ إن الأغلبية العظمى من مسلميه من السنَّة، وهؤلاء لم ينقسموا على وصف ما يجري في سورية، فيما الأمر ليس كذلك في لبنان والعراق. كما أن الأردن المتداخل في سورية، نسباً وثقافةً واجتماعا، أكثر مما هو عليه الحال بين سورية والعراق، لا يعرف تدخلاً سورياً في حياته السياسية، كما هو الحال في لبنان. لم يحدث هذا على نحو يحسب حسابه قط. كان يمكن لمصر عبد الناصر أن تكون ذات تأثير حاسم في الحياة السياسية الأردنية أكثر من سورية.
القوى الأردنية المؤيدة للنظام السوري ليست ذات شأن في واقع البلاد السياسي . وهي لا تصدر، في كل حال، من دافع “طائفي”، ولا من انقسام مجتمعي، كما هو عليه حال حلفاء سوريا في لبنان.
هذا “التماسك” الأردني في وجه الرياح السورية لا يعود إلى صلابة النظام الأردني، وقدرته على ضبط وضعٍ ملتهبٍ على حدوده، بقدر ما يعكس رغبة الأردنيين، من كل “المنابت والأصول”، في درء ما يجري في سورية وتجنّبه، الأمر الذي أراح النظام، وجعله يستخلص نتيجة خاطئة تماماً: لا ضرورة للتغيير، ولا داعي للإصلاح الذي طالب به الحراك الشعبي الأردني على مدار ثلاث سنين.
العربي الجديد