الأزمة السورية: العسكرة ابنة التدويل
فواز طرابلسي
سؤال: ما العلاقة بين تدويل الازمة السورية وعسكرتها؟
جواب: بحسب كل الشواهد، كلما ازدادت الازمة تدويلا ازدادت عسكرة!
والعسكرة، مثلها مثل التعريب والتدويل، هي ابنة قرار اصلي للنظام السوري بالرد على انتفاضة شعبية مدنية بقتل المتظاهرين، وصولا الى قصف التجمعات السكانية بالمدفعية والطيران وتهجير سكانها. ولا بدّ من الاعتراف بأن النظام نجح، الى هذا الحد او ذاك، في تحويل معارضيه الى «مجموعات إرهابية مسلحة» وفرض هذا التعريف للازمة السورية على المجتمع الدولي، بالقدر الذي تعبّر عنه منظمة الامم المتحدة.
لكن المفارقة في الامر ان السحر آخذ في الانقلاب على الساحر. فإذا الجيش السوري الحرّ، المولود من عملية العسكرة هذه، يتحول الى قوة عسكرية تسيطر على مناطق واسعة من اطراف البلاد وتصل عملياتها الى عقر دار النظام في دمشق وحلب. فإذ يعود كوفي انان الى دمشق بعد ان أعلن فشل مهمته، يعود كي يستأنفها من مدخل وقف القتال وانسحاب المظاهر المسلحة من المناطق السكنية بالاتفاق بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة. فإذ النظام مضطر للتفاوض غير المباشر مع المعارضة المسلحة، عن طريق بعثة مراقبي الامم المتحدة، والى تعيين ضابط ارتباط برتية وزير. هكذا قضى الاتفاق الاخير بين الرئيس الاسد والمبعوث الدولي كوفي انان وبانتظار الشروع بتنفيذه.
يزيد من طغيان الوجه العسكري للنزاع ان ملك السعودية وامير قطر انتقلا منذ وقت من التهديد بتسليح المعارضة الى تسليحها فعلا. وليس أدل على تسارع العسكرة من ان الادارة الاميركية باتت تهدد النظام السوري، في تصريح لوزيرة خارجيتها،
بهجمات نوعية تشنّها المعارضة المسلحة على الجيش النظامي. والتهديد موجّة للطرف السوري بقدر ما هو موجّه لشريكه وحاميه الروسي.
ليس سرّا ان حصة روسيا من العسكرة بدأت مع تبنيها، ومعها الصين، صيغة «المجموعات الارهابية المسلحة»، قبل توليها هندسة الحل الحربي في تعامل النظام السوري مع الانتفاضة الشعبية، ورسم الخطط لمحاصرة المدن واقتحامها وتهجير السكان، وتوفير ما يلزم من الاسلحة المتطورة والتسهيلات اللوجستية ووسائل المراقبة والاتصال وسواها.
ولقد تسرّع الذين ينفون ان العلاقات الدولية باتت تحمل في طياتها عناصر حرب باردة جديدة بين روسيا واميركا. ها هم المسؤولون الروس يؤكدونها في معرض النفي. يعلن لافروف انه لا يتوقع حربا باردة جديدة بين بلاده واميركا، مع انه يقول ان العلاقات بينهما وصلت الى «درجة حرجة» على صعيد «تحقيق التوازن في الساحة الدولية». وتعلن موسكو انها سوف تقاطع الاجتماعات الدولية بخصوص سوريا الا اذا إنعقدت على الارض الروسية او في جنيف الحيادية. ويجمع الرئيس بوتين جهازه الديبلوماسي بكامل اعضائه لإبلاغهم استراتيجية ديبلوماسية هجومية جديدة معلناً ان «الغرب يضمحل»، داعياً للافادة من الفرصة لتحقيق التوازن العتيد مع انه يستدرك مطالبا بتوخي الحذر في التعامل مع «اعداء روسيا السابقين خلال فترة الحرب الباردة». ولا يحتاج الامر الى قراءة عميقة للغة الاستخباراتية ليتبيّن ان الرسالة المطلوب توصيلها ليست الحذر واللباقة، بل إحياء فكرة ان الغرب هو في عداد «أعداء روسيا».
ليست مطالع الحرب الباردة الجديدة تكرارا للقديمة. فلا القوى متعادلة فيها ولا الوجه العسكري هو الغالب. المؤكد ان روسيا تريد الافادة من كل نقاط الضعف الاقتصادية والإستراتيجية للولايات المتحدة من اجل تحقيق «التوازن في الساحة الدولية» ضد الانفراد الاميركي. يتجلّى ذلك الآن في ان تفرض نفسها شريكا لواشنطن في تقرير مصير الازمة السورية. لكن الكلفة هنا هي ان نجاح روسيا في توفير حل لتلك الازمة بالتعاون مع الولايات المتحدة عن طريق مبادرة انان، وقد سلّمت واشنطن لموسكو بمقاليد خريطة الطريق مع الاصرار على تنحي الرئيس الاسد.
يجيء فرار العميد مناف طلاس ليضفي لمسة اضافية على نزوع العسكرة الجارف ويعطي المزيد من الدفع لحل يجري تصويره سياسيا وعسكريا على الطريقة اليمنية. فقائد اللواء ١٠٥ في الحرس الجمهوري زميل للرئيس الاسد وصديق، وقبله لاخيه باسل، ينتمي الى الحلقة الضيقة من الجيل الثاني من رجالات النظام بما هو ابن وزير دفاع دهري في عهد الراحل حافظ الاسد. للرجل ركيزة في برجوازية الدولة من خلال شقيقه فراس الذي تموّن شركاته الجيش السوري بالاغذية والالبسة والالكترونيات. وله في المقابل اطلالة على فرنسا والسياسة الدولية من خلال شقيقته أرملة تاجر السلاح السوري الراحل أكرم عجّة، المعروفة بعلاقاتها الوثيقة بقادة الحزب الاشتراكي الفرنسي. فلا عجب ان يعلن وزير الخارجية الاشتراكي لوران فابيوس نبأ الفرار ونبأ الوصول الى باريس.
يتم تدويل الازمة السورية تحت شعار «مصير الشعب السوري يحققه الشعب السوري نفسه». تستخدمه روسيا ردا على البحث في تنحي الرئيس الاسد. وتكرز به سائر جوقه المعرّبين والمدوّلين تغطية لتعريبهم والتدويل. ومع ذلك، ليس من قبيل الاستباق ان نتصوّر افتراضا الحل العسكري المدوّل وقد شق طريقه الى التنفيذ. انسحب المسلحون، من الطرفين، من المدن والبلدات والضواحي والقرى وعاد اليها الاهالي. فعادوا الى التظاهر مثلما هم فاعلون الآن من اجل تغيير النظام. من يستطيع منعهم؟ قوى الامن تطلق النار مجددا على تظاهراتهم ومسيرات التشييع والاضرابات التي باتت اسلوبا جديدا من اساليب الاحتجاج في المدن المعسكرة؟
الشعب السوري هو المغيّب مرتين عن الحل، في التدويل والعسكرة. وهو الشبح الذي يرود فوق هذا وتلك، لاحباط كل تسوية لن تسمح له بأن يحقق مصيره بنفسه.
والشعب السوري «عارف طريقه» على كل حال.
السفير