صفحات العالم

الأزمة السورية .. الوعد بالاستنزاف الطويل يبقى قائماً

غازي دحمان
بعد عام على الثورة، تدخل الأزمة السورية في نفق الاستنزاف، وهي مرشحة لأن تمتد في الأفق المنظور على الأقل، ولا يعود السبب في ذلك إلى عجز النظام عن قدرته على الحسم وعجز قوى الثورة عن الإطاحة بالنظام، ليس لهذا السبب وحده، على وجاهته، وإنما لأسباب أخرى ذات أبعاد إقليمية ودولية.
ربما من سوء حظ السوريين أن يتزامن إنفجار أزمتهم مع تحركات تكتوتونية في بنى وهياكل القوى الإقليمية والدولية، ومع حالة من التوتر والإنشداد وإنسداد أقنية التواصل بين مراكز القوى الإقليمية والدولية، بسبب حالة الفوضى والسيولة التي يعيشها النظام الدولي بشكل عام، وتبلور بعض القوى على هامشه، ومحاولة تفلت بعض الدول من الصيغ والقواعد التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية في العقدين الأخيرين، وهي في طريقها للانهيار جراء تراخي القدرة الأميركية وضعفها.
ويشكل الشرق الأوسط أبرز المناطق الرخوة المرشحة للإشعال جراء تراخي القدرة الأميركية ونفاد جهودها، ذلك أن هذا الإقليم قد شهد عبثاً أميركيا خطيرا في توازنات القوة فيه، كان من نتيجته صعود مكونات جديدة كان لها أثر بالغ في الواقع الجيوإستراتيجي الإقليمي المعقد أصلاً، إضافة لذلك، أسهمت الحروب الأميركية في المنطقة، خلال العقد الأخير، في بلورة جبهات تصارع جديدة مبنية على أسس الهويات والإثنيات والطوائف، وأوجدت مقابلاً لها دولاً ومراكز إقليمية مهمة.
وعلى مدار العقد الماضي كانت معضلة البحث الأميركي بمكونات المنطقة، ومن ثم حالة التراخي في القوة الأميركية، ترخي بظلالها على طهران وأنقرة ومنظومة التعاون الخليجي، حيث جرى دخول هذه القوى على خط التوتر والانقسام في ظل حالة من النهوض الهوياتي كمكون مستجد في عناصر القوة القومية، في إطار سعي هذه الدول إلى إيجاد مكانة لها في سلم التراتب الإقليمي الذي بدا أن تشكيله يتناسب مع فائض السيولة والفوضى في النظام الدولي المتحرك نزولاً وصعوداً على إيقاع حالة الإنعزال الأميركية غير المعلنة والملموسة في الأقاليم بشكل واضح وجلي.
ولا شك أن هذه المتغيرات تشكل معطيات حاكمة في بنية الحدث السوري وفي مساراته ومآلاته أيضاً لأسباب عدة منها.
– الموقع الإستراتيجي الذي تتيحه الساحة السورية لإمتلاكها مكانة في القلب من الناحية الجغرافية في الجسم الشرق أوسطي، أو بالتحديد، المقلب الذي تدور فيه أهم المتغيرات الإقليمية ” ملامسته للبر التركي، ومحاذاته لإسرائيل، وقربه من العراق “، إضافة إلى حاجة منظومة التعاون الخليجي لها، لما تشكله من مدى حيوي وضروري في مواجهتها لإيران.
– الميزة التساومية التي تتيحها الساحة السورية، بوصفها بيئة خصبة للتعقيد، لا تملك الأطراف الفاعلة والمؤثرة إتخاذ قرارات حاسمة بشأنها، ولاتملك القدرة على التفرد في القرار، بإعتبار أن الحالة السورية تشكل نسيجاً مترابطاً وعمارة متماسكة الأحجار، من شأن العبث في هذا النسيج وتلك العمارة ان تؤذي كل الأطراف بما فيها إسرائيل ولبنان والعراق والخليج وتركيا وإيران، وإلحاق الضرر بمصالح روسيا وأميركا، وبالتالي فإن أي قرار نوعي بخصوصها يحتاج إلى توافقات ومساومات معينة يبدو فيها أنصار النظام السوري الأكثر راحة، رغم أنهم من الناحية الموضوعية يبدون كمن يقامر بمصالحهم.
– المكانة الأيديولوجية للنظام السوري بوصفه أحد أطراف حلف الممانعة وأخر بقايا الإشتراكية في المنطقة وواجهة علمانية وموقعاً متقدماً في وجه “الخطر الإسلامي”على إسرائيل وهو ما بدأت بعض التوجهات في كبريات الصحف الأميركية من التنبيه له.
هذه المعطيات يمكن ملاحظة إندراجها في واقع الصراع الحاصل في سورية، من خلال حالة الإنقسام والإستعصاء في مراكز القرار الدولي “مجلس الأمن” وحالة الإنقسام الإقليمي والذي يبدو ان لا طريق إلى حله في الأمد القريب.
غني عن القول، إن اطراف الأزمة في سورية لم تعد قادرة على إنجاز الحل لا بالقوة ولا بالطرق السياسية والحوار، حيث لم يعد أي منهما قادراً على التحكم في الحل لوحده بقدر ما بات دوره ينحصر في كونه إنعكاساً لمتغير القوة بين الأطراف التي تقف خلفه، والواضح في هذا السياق أن التصارع الدولي قد صادر مختلف أطراف الأزمة التي بات يمثل مصالحها ويعكس صراعاتها ولن تسمح بالتالي لأي منهما الخروج عن إعتباراته ومصالحه.
على درب الألام هذا تسير سوريا في المرحلة المقبلة، إذ تشير المعطيات إلى تفاهم ضمني بين القوى المتصارعة على الكعكة السورية إلى إطالة امد الصراع، ربما لبلورة التفاهمات والتوجهات، وضمان تحصيل المصالح والإمتيازات، ولحين إنجاز ذلك ثمة سوريون كُثر لا لزوم لهم في تفكير النظام والقوى المتصارعة يصلحون لتشغيل مكنة الموت في المرحلة القادمة، ثمة سوريون كثر على موعد مع الموت.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى