الأزمة السورية و«الحل اليمني»؟
فواز طرابلسي
عاد موضوع «الحل اليمني» الى طاولة البحث في الازمة السورية في الوقت الذي يجري تتويج عملية تدويلها بالمؤتمر المزمع عقده لتفعيل مهمة كوفي انان. لم يتوافق راعيا المؤتمر بعد على صيغة التمثيل حيث تريد روسيا، وترفض الادارة الاميركية، تمثيل ايران. وبينما عادت واشنطن الى الحديث عن تنحي الرئيس الاسد لنائبه تمهيدا لـ«العملية السياسية» العتيدة، تؤكد موسكو دعمها الرئيس السوري «حتى النهاية».
لم يتخلف خيرُ خلف لخير سلف على رأس «المجلس الوطني السوري» عن تأييد صيغة الحل اليمني – الاميركية. اضاف اليها وصلة جديدة من التذاكي، الذي ينمّ عن استهتار وطني خطير، في الحديث عن اسرائيل. علّق على الدعوات الاسرائيلية لما يسمّى «التدخل الخارجي» بقوله «لا نعتمد على المساعدة الاسرائيلية ولا نحتاج اليها». كثيرون لم يفهموا المزحة. لعل السيد عبد الباسط سيدا قصد انه ليس يحتاج لمساعدات اسرائيلية لتحرير الجولان المحتل والمضموم منذ العام ١٩٨٢.
في نظرة استرجاعية، يفيد التذكير بأن ما يسمّى «الحل اليمني» او «المبادرة اليمنية» انما هما مولودان لأم واحدة هي «المبادرة الخليجية» المرعية أميركيا. وقد باتت تلك المبادرة الاسم المستعار للنهج الاميركي في التعاطي مع الثورات العربية، خصوصا في مصر واليمن والآن في سوريا. فرضت «المبادرة» نفسها حلاً في اليمن ولم تخفق في مصر وها هي تقدّم الآن من جديد «حلا» للأزمة السورية. الفكرة الاساسية بسيطة: انقاذ النظام بالتضحية برأس النظام من اجل الحفاظ على الاساسي منه، بما يخدم المصالح الاقتصادية والسياسية والامنية والاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها. وهذه هي بعض محطاتها الرئيسة:
÷ تنحّي الرئيس لنائبه في مقابل إعفائه، هو وأعوانه، من أي محاسبة على أعماله خلال سنيّ حكمه.
÷ التمسك بالجيش قاعدة للنظام السياسي حفاظا على امن النفط (اليمن) وأمن اسرائيل (مصر وسوريا).
÷ امكان دعم نُخب جديدة تحلّ محل الحكم الفردي او حكم الحزب الواحد، وفق براغماتية اميركية معهودة، وفي مقدم النخب المرشّحة الحركات الاسلامية المسماة «معتدلة».
÷ تعددية سياسية وإعلامية في ظل تغليب مستمر للسلطة التنفيذية على التشريعية.
÷ الالتزام بمشاريع البنك الدولي وصندوق النقد وبالنيوليبرالية اقتصاديا واجتماعيا.
÷ فرض سلطة امر واقع بواسطة الضغط الخارجي (استفتاء على مرشح اوحد للرئاسة هو نائب الرئيس وحكومة تشكل المعارضة السابقة الطرف الاضعف فيها) والتأجيل المستمر لـ«الحوار الوطني » المفترض انعقاده للبتّ في القضايا التي ادّت الى الثورة اصلا.
÷ اخيرا وليس آخرا، اخراج قوى الثورة الرامية الى بناء يمن جديد متحرر من الاستبداد والفساد، والشباب منها خصوصا، من الشوارع والساحات، وهو ما بدئ بتطبيقه الآن في العاصمة اليمنية.
امكن فرض «المبادرة الخليجية» السعودية – الاميركية على اليمن، بالضد من ارادة قوى الثورة وشبابها خصوصا، بعد جملة تطورات ابرزها:
÷ انقلاب مشايخ قبيلة آل الاحمر على علي عبد الله صالح ومعهم حليفهم الشيخ الجهادي التكفيري الوهابي عبد المجيد الزنداني، بعد ان كانوا شركاءه في السلطة وكبار المستفيدين منه.
÷ انشقاق قطعات عسكرية وازنة، أبرزها بقيادة اللواء علي محسن الاحمر، اليد اليمنى العسكرية لعلي عبد الله صالح.
÷ رضوخ أحزاب «اللقاء المشترك» المعارض للضغط الاميركي – الخليجي وقبولها الدخول، من موقع الشريك الاضعف، في حكومة «اتحاد وطني» مع حزب الرئيس المخلوع. وكل هذا في وضع يصول فيه الرئيس المخلوع، متربعا على رأس حزبه، المسيطر على البرلمان، ومناصفا في الحكومة والجيش.
للمقارنة، لم تنشق المؤسسة العسكرية السورية على الطريقة اليمنية. وفي اليمن، نجح طرفا النزاع العسكريان في منع الانشقاق العسكري من التحول الى اقتتال اهلي لافت وخطير، ثم ان قاعدة النظام السوري الاهلية والاجتماعية لا تزال موالية على العموم. ولعل النقطة المشتركة بين الحالتين اليمنية والسورية هي استدراج الاهتمام الاميركي من خلال استراتيجية «الحرب ضد الارهاب». يتم ذلك في اليمن لاثبات ان العهد الجديد قادر على تصفية قواعد تنظيم «القاعدة» في السباق المفروض اميركيا بينه وبين الوحدات التي لا تزال بإمرة الرئيس المخلوع، في حين ان الاكتشاف الاميركي لوجود «ارهابيين» في اوساط المعارضة السورية يشكّل العذر «الرسمي» لعدم التدخل والاستمهال لمزيد من إضعاف سوريا شعبا ودولة وجيشا.
على ان الجديد في الحالة السورية ليس كل هذا. انه التحوّل النوعي في مسار الثورة حيث ادت استراتيجية «الحرب» التي يتعامل بها النظام مع الشعب الثائر منذ البداية، اي القتل والاعتقالات والمجازر، الى انحسار دور الضغط الجماهيري المدني السلمي والصعود المتسارع لدور العمل العسكري المسلح. ولقد بدا الخطاب الاخير للرئيس الاسد ليس مجرّد إمعان في هذا النهج، بل ايضا بدا إيذانا بالانتقال الى مرحلة اقسى واشرس من الحرب، تتم كلها في ظل مهمات مراقبي الامم المتحدة الذين اكتشفوا اخيرا ان الجيش النظامي، المفترض به سحب مدرعاته من المدن، يستخدم السمتيات لقصف المدن من … الجو.
يعود الحديث الى اقتحام حمص للمرة الالف، من اعلاميين بشّروا منذ شهور ليس باقتحام للمدينة الشهيدة على انه «الحسم»، بل بدأوا يفصّلون في ملامح فترة ما بعد «الانتصار». وها هم الآن يهددون بعمليات عسكرية نوعية مؤكدين أن «الحلفاء الروس» لن يعارضوها. في المقابل، باتت وحدات الجيش السوري الحرّ قادرة على تنفيذ عمليات لافتة، بل ان العسكر المعارض يأخد مبادرة القيادة السياسية بالدعوة الى الاضراب العام كخطوة نحو العصيان المدني الشامل. وها ان العسكرة المتزايدة للمعارضة تستظهر فريقا جديدا من المعارضين يجمعون السلوك الميليشياوي الى الجهر بالعصبية الدينية والمذهبية.
يصعب التصوّر ان الشعب السوري، الذي بذل ويبذل الدم سخيا من أجل سوريا جديدة مدنية وديموقراطية، يريد التخلص من حكم «الجيش العقائدي» البعثي ليقع تحت عسكر «رجال الله»، من اخوان وسلفيين ومن يحملونهم في ركابهم من جهاديين وتكفيريين.
المجزرة تستجرّ المجزرة.
والتساؤل الآن: هل يمكن الاستمرار بالنظر الى الازمة السورية من منظار صلات القربى بالنزاع اليمني، ام بات من الضروري الالتفات الى ما يذكّر بالحرب الاهلية اللبنانية؟
السفير