الأزمة السورية وميزان القوى الجديد/ ليز سلاي
بعد مرور ثلاث سنوات من الثورة ضد حكمه، يعتبر الآن نظام الأسد في موقف أقوى من أي وقت مضى في مواجهة معارضي حكمه من السوريين الذين انتفضوا عليه، في البداية من خلال مظاهرات سلمية، ثم باستخدام السلاح فيما بعد.
ومن خلال الدعم الثابت من حلفائه وانقسام عميق في صفوف أعدائه، يمضي الأسد في خططه لإعادة انتخابه خلال هذا الصيف لولاية ثالثة مدتها سبع سنوات أخرى مع الاحتفاظ بضغط عسكري مكثف ضد خصومه. وهذه الاستراتيجية ليست بالجديدة، ولكنها في الأشهر الأخيرة، بدأت تؤتي نتائج ملموسة في شكل مكاسب بطيئة ولكنها مستمرة على عدة جبهات رئيسية في ساحة المعركة.
وعلى الأخص، فقد دفعت قوات النظام المقاتلين المعارضين وقلصت وجودهم في جيوب منعزلة من الأراضي المحيطة بدمشق، ما قلل من احتمالات تمكن المعارضة من تهديد العاصمة أو إسقاط النظام.
وبالنسبة لأولئك الذين انضموا إلى الجهود الرامية إلى الإطاحة بالأسد منذ ثلاث سنوات، ضمن احتجاجات ما سمي «الربيع العربي»، فإن إدراك أن الثورة قد أصابها التعثر يثير الإحباط، حسبما قال «أبو عماد»، وهو من الطلاب الناشطين الذين شاهدوا الحكومة تسحق المعارضين المسلحين في مسقط رأسه «حمص».
وأضاف «أبو عماد» قائلاً: «يوافق يوم السبت الذكرى الثالثة لاندلاع المظاهرات المناهضة للحكومة التي تصاعدت إلى حرب أهلية، حيث يتساءل السوريون عما إذا كان ذلك كله يبرر مقتل 140 ألفاً وتشريد الملايين..».
وقال الطالب الذي يستخدم اسماً مستعاراً لإخفاء هويته: «لقد تهاوت الآمال أكثر من أي وقت مضى. ليس على أرض المعركة فحسب ولا سياسياً، ولكن من حيث تحقيق الثوار النصر، فهو يحتاج إلى معجزة».
وكان التقدم الذي حققه الأسد هذا الأسبوع كفيلاً بتحسن موقفه، حيث تمكن من التقدم بطول 20 ميلاً خارج دمشق، وعبر أراضٍ كانت تقع تحت سيطرة المعارضة طوال العامين الماضيين. كما زار النازحين في ضاحية «عدرا» شمال شرق العاصمة دمشق، حيث وعدهم بتقديم المساعدات وتعهد بالاستمرار في القتال.
ومن ناحية أخرى، فإن الثوار الذين يفتقرون إلى التسليح والتنظيم الجيد لم يقوموا بشن هجمات مضادة كبيرة أو الاستيلاء على مرافق عسكرية مهمة منذ سقوط القاعدة الجوية «منج» في شمال محافظة حلب هذا الصيف. ولم يتحقق كذلك هجوم المعارضين المتوقع في جنوب سوريا، الذي قيل إنه بات وشيكاً بعد انهيار محادثات السلام في جنيف الصيف الماضي. ولم تصل أيضاً الإمدادات الجديدة من الأسلحة التي وعد بها مؤيدو ائتلاف المعارضة السورية الشهر الماضي.
وعلى رغم المشاهد المتناثرة للأسلحة المضادة للدبابات، صينية الصنع، التي تم عرضها على موقع «يوتيوب»، فليس هناك ما يشير إلى أي تدفق لأسلحة جديدة تكفي لإحداث تغيير في ميزان القوى على أرض الواقع، حسبما قال «جيفري وايت» وهو محلل عسكري بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
كما أن الفرص في أن تتمكن الحكومة من استعادة السيطرة على جميع الأجزاء النائية من البلاد التي فقدت السيطرة عليها تبدو بعيدة. غير أن هناك احتمالاً متزايداً لأن يتمكن الأسد من تهدئة الأوضاع في البلاد حتى يستطيع الحفاظ على قبضته على السلطة والادعاء بتحقيق الفوز، وفقاً لما قاله «وايت».
وأضاف أن «هناك احتمالاً لفوز النظام بالمعنى الحقيقي. إن الأمر يستند على كثير من العوامل -أن يستمر النظام في الحصول على الدعم من حزب الله وإيران، وألا يحدث تدخل خارجي، وألا يحصل المعارضون على أسلحة جديدة أو يتمكنوا من تنظيم صفوفهم. ولكن ما لم يتمكن المعارضون من تغيير الوضع على أرض الواقع بطريقة أو بأخرى، فسيواصل النظام تحقيق مكاسب».
ومن ناحية أخرى، يتواصل الانقسام بين صفوف المعارضين. وقد تنكر قادة «القاعدة» لما يعرف باسم دولة العراق والشام الإسلامية (داعش)، مما أثار الخلاف بين هذه الجماعة و«جبهة النصرة»، الحركة السورية الرئيسية التابعة لـ«القاعدة»، الأمر الذي أدى إلى اندلاع القتال في شرق البلاد. كما انقسم المجلس العسكري الأعلى الذي تدعمه الولايات المتحدة إلى معسكرين متنافسين عقب الإطاحة بقائده الجنرال سليم إدريس.
وأدت هذه الانقسامات إلى تحويل الموارد والاهتمام عن جهود عزل الأسد. ومنذ شهر يناير، قتل 3000 من المقاتلين المعارضين من كلا الجانبين، وفقاً لمرصد حلوان لحقوق الإنسان.
وفقد «لواء التوحيد»، أكبر قوة للمعارضين في حلب نحو 500 رجل في هذه الأسابيع، مقارنة بـ1300 خلال عامين من القتال مع قوات النظام، حسب خبير في الشؤون اللوجستية. وذكر أن «هناك انقسامات كبيرة إزاء المواجهة مع داعش، وهذا الصدام أدى إلى خسائر فادحة، وقد استفاد النظام من ذلك كثيراً. والآن نحن نواجه خطر فقدان حلب».
ومن ناحية أخرى، تجري التدابير على قدم وساق في دمشق استعداداً للانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في شهر يوليو وفقاً لأحكام الدستور السوري الحالي. ويقضي قانون الانتخابات الجديد الذي أقره البرلمان السوري هذا الأسبوع بوجود منافسين للأسد -ولكن في ظل قيود لا تسمح للمنافسين من المعارضة. ويتعين حصول المرشحين على دعم البرلمان، الذي يسيطر عليه حزب «البعث» برئاسة الأسد، وكذلك إقامة المرشح في سوريا خلال العشر سنوات الماضية.
وقد حذر مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي مجلس الأمن من أن هذه الانتخابات ستعرض للخطر احتمالات استئناف محدثات السلام التي فشلت في جنيف.
ليز سلاي
مديرة مكتب صحيفة «واشنطن بوست» في بيروت
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
الانحاد