الأزمة المفتوحة في لبنان وسوريا
سليمان تقي الدين
دخل لبنان مرحلة جديدة استثنائية بإعلان عجز الدولة عن إقرار قانون انتخاب جديد والذهاب إلى انتخابات تعطي شرعية للسلطة القائمة . هذا الفشل السياسي الدستوري يترافق مع تزايد النزاعات المسلحة في الداخل وتورط أطراف عدة في الحرب الدائرة في سوريا . وفي الواقع فإن كل التبريرات لتدخل عسكري لأطراف خارج لبنان لا تصمد أمام وضوح الارتباط بمصالح إقليمية أصبحت تسيطر على المسرح الكامل للمشرق العربي من لبنان إلى العراق، مروراً بسوريا .
على المستوى الميداني، لا تشكل المشاركة العسكرية تغييراً نوعياً في معادلة القوة الشاملة، فهي لا تستطيع حماية النظام من السقوط ولا ترجيح سقوطه . لكنها بالتأكيد تسهم في الإمساك بمناطق معينة من الجغرافيا السورية ما يصلح لتعطيل سيطرة أي طرف بصورة شاملة أو يخلق مناطق نفوذ خارج سيطرة الطرف الآخر، الأمر الذي يعزز موقع الحليف في هذه المواجهة الشاملة .
إلا أن هذا النوع من التدخل بات يشكل عنصراً محرضاً على الوجهة الطائفية التي تزداد وضوحاً . وإذا صح ذلك، وهو مؤكد في خريطة التحالفات نكون قد دفعنا المنطقة إلى صراع طويل يصعب حسم نتائجه في المدى المنظور، أو على الأقل أسّسنا لعنف متبادل لا يكون من السهل احتواؤه . ففي العراق رغم الترتيبات السياسية التي أعادت هيكلة السلطة، لم تستقر الأوضاع ولم يحصل نوع من الوفاق الوطني حيال التنازع على محاولات الهيمنة . وفي لبنان لم يعد اتفاق الطائف كتسوية تاريخية (1989) ولا اتفاق الدوحة كتسوية ظرفية مكملة (2008) قادرين على ضبط الصراع الطائفي على السلطة . ولن يكون في سوريا أمام حجم العنف الأهلي وانبعاث كل العصبيات احتمال لتسوية سياسية قادرة على جعل كل الفرقاء في حال من الرضى والقبول لأي صياغة جديدة للنظام أو لتوازنات السلطة . وما يحكى عن صراع المحاور الإقليمية هو أمر مؤكد وقد صار مكشوفاً، وهو صراع ليس معزولاً عن واقع الانقسام الطائفي، بل هو يتمترس فيه . أما المخرج الموعود من خلال مؤتمر دولي فهو يعكس حجم التعقيدات وتداخل الملفات في المنطقة، كما يعكس وجود الكثير من القوى الفاعلة في هذا الصراع التي صار لها حضور على أرض الميدان بأشكال مختلفة . إن مجرد الحديث عن مؤتمر دولي تقوده أمريكا وروسيا يفتح النقاش على قضايا تمتد من إيران إلى الدولة العبرية، ومن المسألة النووية الإيرانية ونفوذ إيران الإقليمي إلى تركيا والمسألة الكردية . ومن مسألة النفط والغاز إلى سوق السلاح والتوازن المسلح والقواعد الأمنية والاتفاقات في شأنها، فضلاً عن التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي عموماً والفئات المتطرفة العابرة لحدود الدول .
جدول أعمال كهذا أقل ما يقال فيه إنه يحتاج إلى تفاوض طويل، والأخذ في الاعتبار جملة توازنات تبدأ من المستوى الدولي إلى المستوى الإقليمي حتى تصل إلى المستوى المحلي . ونكاد نجزم بعدم توقع مدى قريب تظهر نتائجه على الأرض رغم سعي الأطراف إلى بلورة توازن قوى ميداني في سوريا .
فلو كان الحوار التفاوضي الذي سيجري في “جنيف 2” محصوراً في الأزمة السورية من دون سواها، فهو لا يستطيع القفز عما صار في داخلها، حيث حجزت الدولة العبرية مقعداً لمطالبها وإيران وحليفها حزب الله ودول الخليج وتركيا، فضلاً عن تنوع وتعدد الأطراف السورية . وبقطع النظر عما هو معلن من أن النقاش يدور حول مستقبل النظام في سوريا، فهذا العنوان لن يكون مقصوراً أصلاً على رمز فيه أو رموز، بل على تكوين مؤسساته وطريقة عملها، وعلى كيف ستعاد لحمة الجيش كعمود فقري لضمانة أي حل وكيف سيكون التوازن فيه . وما طبيعة النظام المقبل وكيفية تشكيل مؤسساته والمشاركة السياسية التعددية وعلى أية أسس ستقوم . فهل ستكون استنساخاً للتجربة العراقية أو اللبنانية، أم شكلاً آخر، وكيف ستتم رعاية المرحلة الانتقالية وبأية قوى ووسائل سيتم ضبط الأعمال الحربية؟ وكيف ستعالج ذيول الأزمة ونتائجها الاجتماعية، ومن سيشارك في إعادة الإعمار؟ كل هذه القضايا تؤشر إلى الصعوبات، بل إلى المدى الطويل الذي تحتاجه هذه الأزمة للوصول إلى مخرج، هذا إذا جنحت الأمور فعلاً نحو الحل وليس نحو اتساع التداعيات الأمنية، وقد بدأت تطاول لبنان .
الحليج