الأسد… إلى قلعة ألْموت!
صالح القلاب
“وبَشِّر القاتل بالقتل ولو بعد حين” وكما تزرع تحصد، ومن يزرع الأنواء يحصد العواصف، وكان على بشار الأسد شخصياً أن يتوقع مثل هذه الضربة القاصمة، التي تلقاها يوم الأربعاء الماضي والتي قُتِلَ فيها كل هذا العدد من كبار رموز نظامه، منذ أن أخذته العزة بالإثم، وبدل أن يتعامل مع أطفال درعا بعطف الأب وحنانه اختار أن يعالج الأمور بالعنف وإراقة الدماء، دون أن يدرك أن العنف يولد العنف وأن إراقة الدماء إذا بدأ بها أي حاكم في التعاطي مع شعبه فإنها بالتالي ستؤدي إلى أنهار من الدماء، وهذا هو ما حصل في سورية، حيث انتهت الأمور إلى هذه النهاية، وهي قد تنتهي إلى ما هو أخطر وأصعب من هذه النهاية.
والأصعب والأخطر على بشار الأسد بالنسبة إلى ما جرى يوم الأربعاء الماضي ليس في أنه اُخْتُرِق في أكثر دوائر نظامه دقة وأهمية وخطورة، وليس في أنه فقد كل هذا العدد من رموز الصف الأول من مساعديه، بل في أن هذه العملية النوعية، التي لا سابق لها في المنطقة كلها، ما هي إلا مذبحة “البرامكة” في بغداد ومذبحة “المماليك” في القاهرة؛ فقد أفقدت نظامه الاستخباري هيبته وحررت الشعب السوري من حالة الرعب التي بقي يعيشها أكثر من أربعين عاماً.
سيبقى الناس يتجادلون حول الجهة التي نفذت هذه العملية، التي تدل على الاحتراف وعلى مدى اختراق مَن قاموا بها لأخطر حلقات نظام بشار الأسد الاستخبارية، وسيحاول هذا النظام في باقي ما تبقى له من الوقت إلقاء المسؤولية على “أعداء الخارج” وعلى بعض الدول المجاورة، وعلى “العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية”! وهو سيقوم بالتأكيد من قبيل رد الاعتبار والحفاظ على ماء الوجه بحملة اغتيالات ستشمل رموز المعارضة السورية وقادة الجيش الحر، وستشمل أيضاً بعض الدول العربية المساندة لثورة الشعب السوري بالأموال وبالأسلحة وبالمواقف السياسية.
لقد انتهى هذا النظام من حيث حسابات الأمر الواقع، لكنه وإلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة سيلجأ بمساندة إيران و”حزب الله” وربما الاستخبارات الروسية أيضاً إلى حملة اغتيالات سيبدأ بها قريباً، وهو سيتَّبِعُ في هذا المجال استراتيجية فِرَق الحشاشين وقلعة “ألْموت”، أي قلعة النسر، التي اتَّبعها حسن الصباح، حيث كان يُرسل فرقه من أصفهان لتزرع الرعب وبخاصة في العراق وبلاد الشام، وحيث كانت قد نفذت عملية إرهابية ضد صلاح الدين الأيوبي لإلغائه الخلافة الفاطمية التي كانت تشكل امتداداً للدعوة الإسماعيلية، والتي كان لايزال ينظر إليها على أنها إحدى فروع الدعوة الشيعية.
ستكون “قلعة ألْمُوت” بالنسبة إلى بشار الأسد هي “القرداحة” التي يقال إنه انتقل إليها، والتي كان قد نُقل إليها منذ سنوات كل رموز الدولة السورية حتى بما في ذلك موجودات البنك المركزي والمستندات الرسمية وحتى سلاح الجو وكل الدبابات والصواريخ والأسلحة المتطورة، وحيث من هناك من هذه “القرداحة” وجبال النصيريين سيبادر إلى القيام بإزعاجاتٍ لدول المنطقة، وبخاصة الدول المجاورة، وقد ينتهي الأمر، هذا إن لم يتم القضاء عليه بسرعة، إلى إعلان الدولة الطائفية التي يكثر الحديث عنها في هذه الأيام، والتي هي قائمة بالفعل منذ وصول والده حافظ الأسد إلى سدة الحكم في عام 1970.
الجريدة