الأسد بين”العار”و”الأب الروحي”/ أحمد عمر
باكرا، تذكّر أحد الكتّاب، قصة العرّاب، تأليف ماريو بوز، وإخراج فرانسيس كوبولا، وهو يراقب وحشية الأسد. كان أسداً على شعبه، يبيدهم بالبراميل والسارين، وفي الحروب نعامة، يهدد بالرد على العدو المغير في الزمان والمكان المناسبين. أما رده الحقيقي على العدو فهو: ايمتى الزمان يسمح يا جميل. ووجه الشبه كبير بين العائلتين: في إدارة العدوان، والميراث، والغدر..
وتحكي ملحمة العرّاب قصة إحدى عائلات المخدرات والجريمة في نيويورك، وتحوّل “دون مايكل” من شخص عادي إلى سفاح بلا رحمة، انتهت بمذبحة ودمار عائلي. آلت سوريا أيضاً إلى مذبحة، ما زالت أنهار دماء شعبها (شعوبها حسب الروس) جارية. ويعدّ العرّاب أول الأفلام على قوائم أجمل الأفلام السينمائية. ويشبه بشار الأسد دون مايكل (آل باتشينو) الذي كان ضابطاً في البحرية الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية، والذي كان يسلك سياسة “النأي بالنفس” عن أعمال العائلة الإجرامية، لكنه اضطر للانضمام إليها بعد مقتل أخيه سوني (جيمس كان)، ويثأر له من العائلات الأخرى، التي ساهمت في اغتياله، ويصفّي حساباتها كلها، ويعيد للعائلة هيبتها ومكانتها في مجتمع المال والجريمة. بشار لم يكن قد نأى باختياره، بل بإرادة الأب تجنيباً للخلاف على المُلك (جمهورية في الوثائق الدستورية).
ويمكن تذكّر فيلم آخر، يوافق الحال، هو “العار” من إخراج علي عبد الخالق، وقصة محمود أبو زيد، حتى تكتمل الصورة، فثمة نسب بين الحكايتين ومصاهرة، ووجه الشبه هو في الفجوة بين جيل الآباء الذين أكلوا كثيراً من الحصرم، وجيل الأبناء، الذين ضرسوا وحدت أسنانهم. وقصة الفيلم تحكي انهيار أسرة وانتهاءها بالدم والعار، ربُّ الأسرة هو عبد التواب تاجر العطارة المعروف بالتقوى، يسافر إلى الإسكندرية للاتفاق على صفقة مخدرات، يدفع فيها ثروته، وعند عودته يلقى مصرعه. يعترف الابن الأكبر كمال لأخويه، وأحدهما طبيب، والثاني نائب عام، بحقيقة مصدر ثروة العائلة، ليجد الجميع أنفسهم أمام اختيار صعب، بين الحق والباطل، الجنة والنار، الصفقة والحصول على المال، أو رفض الصفقة من الأساس.
يشترط كبار مساعدي الأب المصروع على الابن الأكبر كمال، نسبة ضخمة من الأرباح، فيوافق، في حالتنا لم يعد بشار الأسد هو صاحب القرار الوحيد، كما كان والده.
كان الطغاة التقليديون، أمثال القذافي، وعلي عبد الله صالح، والأسد، دمويين، لكنهم كانوا يجيدون مثل عبد التواب (لا يغرنك جمال الاسم) التغليف والتخزين، والاتصال مع عمّال المخدرات، وتشغليهم، يقابل المخدرات في السياسة: مخدرات قومية، ومعرفة بنى المجتمع العرفية والدينية، وتجنب مواجهته بصراحة، المحافظة على شعرة بين السلطة والشعب، ليس كشعرة معاوية، لكنها شعرة حافظ عليها الأسد، وإن كانت من ذنب الخنزير.
وقد قطع الابن هذه الشعرة، وذكر نور الشريف – وهذا استطراد ليس هنا محله- أنه نال أكبر جوائز في حياته عن دوره في هذا الفلم، وعلى حركة أداها في الفلم، هي هزّة رأس، كانت تعبيراً عن عدم مناسبة الزي الإفرنجي لابن البلد المعتاد على لبس الجلابية المصرية. كانت حركة واحدة، في حالة السيسي هي مجموعة حركات تجعله لاعب اكروبات.
كان الأسد قد أعدّ ابنه الأكبر باسل للوراثة، سيورثه الشعب والبلاد، وكأنها مملكة، ثم كانت مفاجأة الأقدار، عندما قضى في حادث سير، كما قضى الأب في فيلم العار تماماً، وكان بشار قد أُبعد عن الحكم منعاً للشقاق بين الأخوين، فاستبشر الشعب بالوريث الجديد، وحانت فرصة كبيرة مع بيان “التسعة والتسعين” لفتح صفحة جديدة، لكن الزمان لم يسمح يا جميل، حتى فاقه وفاق كل من نعرف من الطغاة في الإجرام.
أجيال جديدة من الطغاة في ثلاث دول عربية، أهلكت الحرث والنسل، ودمرت البلاد والعباد، الطاغية السوري دمّر سوريا، التي جعل أبوه منها لاعباً إقليمياً (بحكم الجغرافيا السياسية وبيع الإرادة الشعبية) تحوّلت إلى ملعوب إقليمي، الرئيس المصري السيسي، يتحدث عن الأمل بعد سنوات تطول، وأحياناً تقصر، ومصر عطشى وجائعة، وشعبها ممنوع من الكلام، كما لم يحدث حتى في عصر فرعون، أما الزعيم العربي الثالث، فهو عريض الوساد، ويقود انقلابات في دول عربية، بل في دول عظمى مثل أمريكا، ودول أخرى ماليزيا، تركيا، كردستان، السعودية، وينطح السحاب ، بسبب الطغيان المالي.
مُثلتْ قصص حيوات أكثر الأنبياء، في هوليود، لكن من المستبعد أن توافق أسرة الأسد على تمثيل قصة حياة حافظ الأسد، في فيلم، وإن وافقت، فستكون فيلماً عن شخصية أخرى غير شخصيته الحقيقية. أمس رفضت أسرة الأسد تمويل فيلم وثائقي عن الأسد، الفيلم الروائي سيكون أصعب حفاظا على صورة الرئيس مقدسةَ.
لقد انتهت أيام اللولو، وبات على الأسد دفع الثمن، وهو حتى الآن يراوغ، ويبيع سوريا بالمفرّق، حتى يحمي رقبته الجميلة.
هناك فيلم ثالث نسيناه، لعله فيلم “الدكتاتور”، وليس فيلم “وش إجرام”.
المدن