صفحات العالم

الأسد بين شعارين


حسين شبكشي

المشهد السوري يزداد فجورا، وهي ألطف كلمة من الممكن أن تطلق على أعمال وتصرفات وسياسات النظام في سوريا، حيث تعطلت لغة الكلام الاعتيادية عن القدرة على وصف الأفعال المؤلمة والمجازر التي يمارسها بحق شعبه لأكثر من سنة ونصف السنة متواصلة منذ انطلاق الثورة السورية ضد النظام، مع عدم إغفال أن هذا الشعب ما كان ليثور إلا بعد أن بلغ السيل الزبى؛ جراء أكثر من أربعة عقود من الذل والمهانة والعذاب قضاها مع نظام لم يرحمه أو يكرمه.

المزيد من التفجيرات المفخخة التي حصلت في أكثر من موقع بسوريا، وبحسب الإعلام الرسمي لنظام الأسد فإن من يقف خلفها هو المنظمات الإرهابية، وهي «الأسطوانة المشروخة» التي يرددها النظام وزمرته منذ انطلاق الثورة، ولكن هناك سؤالا بديهيا لا بد أن يفرض نفسه وقد يبدو ساذجا ولكنه مهم: يا ترى لماذا لا تحدث «التفجيرات الإرهابية» إلا في مواقع ومدن هي قائمة ضد النظام وتشهد المظاهرات الملتهبة ضده؟ فكيف من الممكن أن تقوم الجماعات الإرهابية (وهي بحسب الإعلام الرسمي السوري ترغب في إسقاط النظام؛ لأنها جزء من مؤامرة كونية ضده، وكذلك الثوار، وبالتالي كلاهما – الثوار والمنظمات الإرهابية – على نفس الصفحة)، بالتفجيرات في مواقع الثورة وليس في مواقع آمنة للنظام في مدن ساحلية وجبلية محسوبة أنها موالية للنظام؟

هذا السؤال بقي في رأسي باستمرار منذ انطلاقة «التفجيرات» في مختلف المدن السورية التي لا تحدث إلا بوجود مراقبي الجامعة العربية أو الأمم المتحدة في صدفة عجيبة! وبقيت تفسيرات النظام السياسية والإعلامية لما يحصل أقرب للهزل والكوميديا منها إلى المنطق والمعقول والمقبول، وبدلا من أن يعمل النظام السوري على حقن دماء شعبه والكف عن القتل والاعتقال والالتزام بأي من المبادرات التي قدمت له على طبق من ذهب، واصل نهجه المدمر والدموي، واهتم باختراق المعارضة وتفتيتها وتشويه صورتها وإبراز رموزها على أنهم عملاء وخونة ومرتزقة وأصحاب سوابق، ومروجو أكاذيب، على الرغم من أن الكثير من رموز المعارضة هم أطهر سمعة وأجدر من كل أعضاء النظام الحالي بلا أي شك ولا جدال، ولكن هذا هو الحال المزري والمؤسف لما وصلت إليه الأمور في سوريا.

وتواصل ماكينة الإعلام السوري الرسمي ترويج قصص عن قضاء أعضاء رئيسيين في النظام في عمليات اغتيال موجهة، ثم ينفي النظام هذه القصص بشكل آخر وذلك لإفقاد المعارضة المصداقية، وبالتالي الشعبية، وهو أسلوب قديم ورخيص، وليت النظام اكتفى بذلك ولكنه الآن ينقل جزءا من المشكلة والثورة إلى الجار لبنان، بدءا من مواجهات أججها ودعمها بالعتاد واللسان الأطراف المحسوبون والداعمون لنظام الأسد في الكيان السياسي بلبنان، وهم كثر كما هو معروف، ونقل المشهد فورا وسريعا إلى قلب العاصمة اللبنانية بيروت، ينفذ هذه المسألة أحزاب سياسية طائفية داعمة للأسد ومشروعه، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، ولكن نائبا من الحزب القومي السوري في البرلمان اللبناني قام يصيح بأعلى صوته داخل قاعة البرلمان يطالب بعودة الجيش السوري إلى لبنان فورا، وذلك لأجل حفظ الأمن والاستقرار ووضع حد للفوضى.

هذا طبعا جزء من «خطة» كان وضعها بعض أطراف النظام السوري، أن تعاود القوات السورية الدخول إلى لبنان بعد أن توجد الأسباب للعودة نتاج خلاف أمني وسياسي، فتضطر سوريا للدخول حفاظا على أمنها وحماية الجار، ولكن الغرض الأهم هو السيطرة على سلاح حزب الله ومصادرته، وذلك من خلال صفقة سياسية أمنية وعسكرية ومخابراتية كبرى مع إسرائيل والغرب (أشبه بما فعله القذافي مع أميركا وجورج بوش حينما تنازل عن برنامج إنتاج سلاح الدمار الشامل الكيماوي)، ولكن التردد الكبير لبعض الأطراف داخل النظام أجل تنفيذ هذه الخطة وعطل إمكانية تحقيق النتائج المرجوة، خصوصا في ظل تعاظم التكلفة البشرية من موتى وجرحى وتواصل الثورة بلا توقف.

لبنان إذا لم يتماسك جيدا فسيتم جره إلى حلبة الصراع بشكل سريع ومكلف، وها هي الدول الخليجية تدرك أن الخطر يحيط بمواطنيها في لبنان الرسمي الذي سيدعم الأسد بكل الوسائل وسيقدم «القرابين البشرية» إثباتا لهذا الدعم، وما قصة الشيخ الذي أردي قتيلا في طرابلس سوى شرارة ستشعل لبنان لأجل الأسد. فـ«بالروح والدم نفديك يا أسد» ليست شعارا ولكن نهج بدأ به نظام الأسد ويبدو أنه يختم مسيرته السياسية السوداء بشعار آخر: الأسد أو نحرق البلد.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى