صفحات العالم

الأسد ـ لافروف: تفاهم سياسي وتفهّم أمني


انتهت زيارة وزير الخارجية الروسي لدمشق بنتائج مطابقة لموقف موسكو في مجلس الأمن عندما استخدمت الفيتو، وهو استمرار دعمها الرئيس بشّار الأسد ونظامه، ورفض تنحّيه، وحضّه في الوقت نفسه على استعجال الإصلاحات. لكنها تفهّمت، كذلك، دوافع قراره الحسم العسكري

نقولا ناصيف

مهمتان قادتا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يرافقه رئيس جهاز الإستخبارات العسكرية ميخائيل فرادكوف إلى دمشق والاجتماع بالرئيس السوري بشّار الأسد: أولى هي الإطلاع من الأسد ومعاونيه على الوضع الميداني مع تفاقم التصعيد العسكري بين النظام والمسلحين، وثانية حضّه على استعجال الخطوات الإصلاحية التي تحدّث عنها الرئيس السوري في خطابه الأخير والمضي في الحوار الداخلي.

ترافقت المحادثات الرسمية بين الأسد ومعاونيه والوفد الروسي، مع أخرى غير معلنة أجراها فرادكوف، على هامش المحادثات الرسمية، مع المسؤولين الأمنيين السوريين الكبار للإطلاع كذلك على الوقائع واستكشاف وجهة نظر الأركان العسكرية السورية من العمليات الدائرة بعنف.

بذلك اكتسبت الزيارة أكثر من بُعد سياسي وأمني في ظلّ قطع من الأسطول الروسي راسية في مرفأ اللاذقية، غلّفتها مواقف ديبلوماسية ترجّحت بين البرودة والجزم. ولكنها عبّرت بإزاء ما أعلنه لافروف بعد المحادثات، ثم في اليوم التالي أمس، ثم سلسلة مواقف مكمّلة أطلقها الرئيس ديمتري ميدفييف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين عن حجم الدعم الروسي لنظام الأسد وتفهّم إجراءاته السياسية والأمنية.

وبحسب معطيات متوافرة لمواكبين عن قرب لزيارة لافروف للعاصمة السورية الثلثاء، فهي أفضت إلى نتائج منها:

1 ـ تأكيد الأسد له التزامه ما أورده في خطابه الأخير في 10 كانون الثاني بإجراء إصلاحات. أعلم الوزير الروسي أيضاً بأنه سيدعو في أقرب وقت إلى استفتاء على الدستور السوري الجديد، تليه انتخابات عامة لمجلس الشعب. في المقابل أبدى الزائر الروسي استعجالاً لهذه الخطوات لقطع دابر التشكيك في ما تعتزم القيادة السورية القيام به.

2 – تطابق وجهتي نظر دمشق وموسكو حيال ما يحدث في سوريا، وهو أنه أكبر من حجم التطورات الدائرة فيها بين النظام ومعارضيه. وهو ما لمسته روسيا كذلك من مداولات مجلس الأمن في جلسة 4 شباط للتصويت على قرار يدعم مبادرة الجامعة العربية، والطريقة التي لمستها في تعاطي العرب والغرب مع الأزمة السورية.

3 – لم تفقد موسكو الأمل في أن لا مخرج للإضطرابات في سوريا سوى في اقتناع العرب والغرب معاً بإجراء حوار مع الرئيس السوري والنظام بلا شروط مسبقة. وفي ذلك تأكيد جازم بتمسّكها بالأسد ورفض أي تسوية تقضي بتنحّيه. في هذا السياق أكد لافروف للقيادة السورية أن موسكو تنظر إلى الأسد على أنه ممثل شرعية بلاده، ويتمتع بتأييد شعبي كبير.

4 – تتمسّك موسكو بالحوار بين النظام ومعارضيه وتصرّ عليه كمخرج للأزمة، ولكنها ترى أن على العرب والغرب معاً ممارسة ضغوط على المعارضة من أجل الإنخراط في هذا الحوار مع الرئيس السوري الذي أعرب للافروف عن استعداده الكامل لمباشرة خطوات فعلية فيه. وإذ تلحّ على التوصّل إلى حلّ داخلي، لا ترى هذا الحلّ بأي ثمن، وليس بالتأكيد على حساب الرئيس السوري أو بإقصائه عنه، ولا وفق الطريقة الليبية. كذلك ترفض موسكو استدراج العرب والغرب لها إلى بداية حلّ لا يلبث أن يتحوّل فخاً. وهي بذلك تشدّد على معالجة المشكلة بأبعادها كلها، وعدم حصرها بجانب واحد، أو بفريق واحد، وتجنيبها الإنزلاق إلى وجهة تضاعف من وطأة الأزمة والعنف.

5 – أبلغ الوفد الروسي إلى القيادة السورية أنه ينظر إلى حلّ يأخذ في الإعتبار ثلاثة عناصر تقبض على الوضع الداخلي، هي النظام الذي يمثله الأسد والمعارضة السلمية والمسلحون. تالياً فإن نجاح أي حلّ يقتضي اقترانه بضمانات احترام تطبيقه.

6 – أبرزت القيادة السورية وجهة نظرها من التطورات الأمنية المتسارعة، فأكدت أن المرحلة الحالية هي الحرب المباشرة على ما تعدّه بؤراً مسلحة توسّعت في الأشهر الأخيرة في بعض المناطق السورية، وأحكمت السيطرة عليها. وباتت هذه البؤر ورقة المساومة التي يتمسّك بها الغرب والعرب لفرض حلّ على النظام ودفع الأسد إلى التخلي عن السلطة، خصوصاً وأن تعويلهما ــــ لإنهاك الرئيس ونظامه وإظهاره أنه فقد سلطته على البلاد ــــ هو على هؤلاء المسلحين وليس على معارضة الخارج التي تتخذ من تركيا وفرنسا وبريطانيا، ومن دول عربية، أماكن تحرّكها الضعيف التأثير، والقليل الفاعلية في النزاع الداخلي. في حين أخلّ المسلحون بتوازن القوى الداخلي بعدما تلقوا تمويلاً وأسلحة من الحدود المتاخمة مع لبنان وتركيا.

حدّدت دمشق فئات بؤر المسلحين بثلاث في مراتب متدرّجة تمثّل خليطاً غير متجانس: الأخوان المسلمون والسلفيون الذين يشكلون الغالبية الساحقة والمدرّبون والمسلّحون، ثم الفارّون من السجون والمطلوبون الذين تصفهم دمشق بالعصابات، ثم المنشقون عن الجيش والشرطة وهم قلة.

بدورها موسكو تنظر إلى المسلحين على أنهم مشكلة مستقلة عن المعارضة السياسية السلمية، ولا تجد لهم مكاناً في الحلّ، بل عقبة في طريقه نظراً إلى تأثيرهم المباشر على تعطيل أي تسوية داخلية يتوصل إليها النظام ومعارضوه السلميون. إلا أن الوفد الروسي لمس حرص القيادة السورية على تجنّب الخسائر البشرية في معرض توسيع الجيش رقعة اشتباكه مع المسلحين.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى